تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٤٣
فيكون مأمونا من النظر في سياسته مستقيم النظر في معاملة أبناء جنسه فيحسن معاشه وتندفع آفاته ومضاره باستقامة نظره وفوق كل ذي علم عليم ومن هنا يتبين أن صناعة المنطق غير مأمونة الغلط لكثرة ما فيها من الانتزاع وبعدها عن المحسوس فإنها تنظر في المعقولات الثواني ولعل المواد فيها ما يمانع تلك الأحكام وينافيها عند مراعاة التطبيق اليقيني وأما النظر في المقولات الأول وهي التي تجريدها قريب فليس كذلك لأنها خيالية وصور المحسوسات حافظة مؤذنة بتصديق انطباقه والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق الفصل الخامس والثلاثون في أن حملة العلم في الاسلام أكثرهم العجم من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الاسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة وإنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه كان الرجال ينقلونها في صدورهم وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة بما تلقوه من صاحب الشرع وأصحابه والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين ولا دفعوا إليه ولا دعتهم إليه حاجة وجرى الامر على ذلك زمن الصحابة والتابعين وكانوا يسمون المختصين بحمل ذلك ونقله إلى القراء أي الذين يقرأون الكتاب وليسوا أميين لان الأمية يومئذ صفة عامة في الصحابة بما كانوا عربا فقيل لحملة القرآن يومئذ قراء إشارة إلى هذا فهم قراء لكتاب الله والسنة المأثورة عنه الله لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه ومن الحديث الذي هو في غالب موارده تفسير له وشرح قال صلى الله عليه وسلم تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي فلما بعد النقل من لدن دولة الرشيد فما بعد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية وتقييد الحديث مخافة ضياعه ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الناقلين للتمييز بين الصحيح من الأسانيد وما دونه ثم كثر استخراج أحكام الواقعات من
(٥٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 ... » »»