البيان وهو اسم الصنف الثاني لان الأقدمين أول من تكلموا فيه ثم تلاحقت مسائل الفن واحدة بعد أخرى وكتب فيها جعفر بن يحيى والجاحظ وقدامة وأمثالهم إملاءات غير وافية فيها ثم لم تزل مسائل الفن تكمل شيئا فشيئا إلى أن محص السكاكي زبدته وهذب مسائله ورتب أبوابه على نحو ما ذكرناه آنفا من الترتيب وألف كتابه المسمى بالمفتاح في النحو والتصريف والبيان فجعل هذا الفن من بعض أجزائه وأخذه المتأخرون من كتابه ولخصوا منه أمهات هي المتداولة لهذا العهد كما فعله السكاكي في كتاب التبيان وابن مالك في كتاب المصباح وجلال الدين القزويني في كتاب الايضاح والتلخيص وهو أصغر حجما من الايضاح والعناية به لهذا العهد عند أهل المشرق في الشرح والتعليم منه أكثر من غيره وبالجملة فالمشارقة على هذا الفن أقوم من المغاربة وسببه والله أعلم أنه كمالي في العلوم اللسانية والصنائع الكمالية توجد في العمران والمشرق أوفر عمرانا من المغرب كما ذكرناه أو نقول لعناية العجم وهو معظم أهل المشرق كتفسير الزمخشري وهو كله مبني على هذا الفن وهو أصله وإنما اختص باهل المغرب من أصنافه علم البديع خاصة وجعلوه من جمله علوم الأدب الشعرية وفرعوا له ألقابا وعددوا أبوابا ونوعوا أنواعا وزعموا أنهم أحصوها من لسان العرب وإنما حملهم على ذلك الولوع بتزيين الألفاظ وأن علم البديع سهل المأخذ وصعبت عليهم مآخذ البلاغة والبيان لدقة أنظارهما وغموض معانيهما فتجافوا عنهما وممن ألف في البديع من أهل أفريقية ابن رشيق وكتاب العمدة له مشهور وجرى كثير من أهل أفريقية والأندلس على منحاه واعلم أن ثمرة هذا الفن إنما هي في فهم الاعجاز من القرآن لان إعجازه في وفاء الدلالة منه بجميع مقتضيات الأحوال منطوقة ومفهومة وهي أعلى مراتب الكلام مع الكمال فيما يختص بالألفاظ في انتقائها وجودة رصفها وتركيبها وهذا هو الاعجاز الذي تقصر الافهام عن إدراكه وإنما يدرك بعض الشئ منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه فلهذا كانت مدارك العرب الذين سمعوه من مبلغه أعلى مقاما في ذلك لأنهم فرسان الكلام وجهابذته والذوق عندهم موجود بأوفر ما يكون وأصحه وأحوج ما يكون إلى هذا
(٥٥٢)