لأجل ذلك وأما معرفة الرجال فإليه تشد الرحال فإنه كان الغاية وحامل الراية لما ولي دار الحديث قال الشيخ تقي الدين بن تيمية لم يل هذه المدرسة من حين بنائها وإلى الآن أحق بشرط الواقف منه وقد وليها جماعة كبار مثل ابن الصلاح ومحيي الدين وابن الزبيدي لأن الواقف قال فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الرواية ولقد سمعنا صحيح مسلم على البندنيجي وهو حاضر رحمه الله وابن طغريل يقرأ وعدة نسخ صحيحة يقابل بها فيرد الشيخ جمال الدين عليه اللفظ فيقول ابن طغريل ما في النسخة إلا كما قرأت فيقولا من في يده بعض تلك النسخ الصحيحة هو عندي كما قال الشيخ أو هو مظفر عليه أو مضب أو في الحاشية تصحيح ذلك ولما كثر ذلك قلت له ما النسخة الصحيحة إلا أنت قال الشيخ شمس الدين لم أر أحفظ منه ولا رأى هو مثل رأي نفسه وقال لم أر أحفظ من الدمياطي قال الشيخ شمس الدين لم يسألني ابن دقيق العيد إلا عنه وكان قد اغتر في شبيبته وصحب عفيف الدين التلمساني فلما تبين له ضلاله هجره وتبرأ منه قال الشيخ شمس الدين وكان يترخص في الأداء من غير أصول ويصلح كثيرا من حفظه ويتسامح في دمج القارئين ولغط السامعين ويتوسع فكأنه يرى أن العمدة على إجازة المسمع للجماعة وله في ذلك مذاهب عجيبة وكان يتمثل بقول ابن مندة يكفيك من الحديث شمه صنف كتاب تهذيب الكمال في أربعة عشر مجلدا كشف به الكتب المتقدمة في هذا الشأن وسارت به الركبان واشتهر في حياته وألف كتاب الأطراف للكتب الستة في ستة أسفار وخرج لجماعة قال الشيخ شمس الدين ولا علمته خرج لنفسه لا عوالي ولا موافقات ولا معجما وكل وقت ألومه في ذلك فيسكت وقد حدث ب تهذيبه الذي اختصره الشيخ شمس الدين خمس مرات وحدث ب الصحيحين مرات وب المسند وب معجم الطبراين وب دلائل النبوة وبكتب جمة وحدث بسائر أجزائه العالية وبكثير من النازلة ومع إتقانه لأسماء الرجال وله فيها هذا التصنيف العظيم لم يكن يعتني بتراجم العلماء من الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء والقضاة والعلماء والقراء والأطباء والشعراء ولا له فيها مشاركة البتة وإنما كان يعتني برجال الحديث لا غير ولقد سألته عن القالي بالقاف والفالي بالفاء فقال لا أعرف إلى الفالي بالفاء فعلمت أنه ليس له عناية بغير الرواة للحديث وإلا فأبو علي القالي بالقاف مشهور بين الأدباء معروف لا يكاد يجهله أحد من صغار الأدباء ولكن عندي منه فوائد وقواعد في أسماء ورجال الحديث لم أجدها ولم آخذها من غيره وكان أسماء الرواة الذين يجيئون في سماعاته وطرقه يجيد الكلام في طبقاتهم وأحوالهم وقوتهم ولينهم وهذا بحر لا يشق ثبجه وغبار لا
(١٠٨)