انكب إلى الدواة ثم وقف فكتب فلما أن رأى الظافر جريان قلمه وثبات جنانه أمر خادما أن يحمل له الدواة ثم فرغ من الكتابة وهو قائم على رجله فتناوله الخادم وعرضه على الظافر فاستحسن خطه وكان خطا مليحا رائقا على طريقة ابن مقلة وقال لي اقرأه فقلت يا مولانا اسمعه من منشئه فهو أحسن فقرأه بلسان حاد وبيان صادق فلما استتم قراءته أمر الظافر بقلع طيلسانه وأخذ عذبة عمامته وفتلها وتحنيكه بها ففعل به ذلك ولم يزل في الديوان مدة أيام الظافر والفائز والعاضد فلما استعلى الضرغام على شاور وتولى الوزراة وهرب شاور إلى الشام وقبض على ولده الكامل وأودعه السجن خدمه الفاضل ومت إليه بخدمة قديمة ثم إن الضرغام تنكر على الفاضل فمضى من فوره إلى ملهم أخي ضرغام واستجار به وكان ملهم هو الكبير وكان ترفع عن الولاية فأمره بملازمة داره حتى يصلح أمره فاتفق أن قرن بالكامل ابن شاور في محبسه وحبس معه وحصل له بذلك يد بيضاء عنده ورجع شاور إلى الديار المصرية يصحبه شيركوه وقتل الضرغام وأخوه ملهم ملهم وبنوه وعادت الوزارة إلى ساور وركب ابنه الكامل من دار ملهم ومعه القاضي الفاضل حتى دخلا على شاور وعرف الكامل أباه شاور حقوق) الفاضل عليه وحسن ولائه واختص الفاضل بالكامل اختصاصا كليا وكان أولا يدعى بالأسعد فغيره ولقبه بالفاضل ولم يزل معهما على أحسن حال إلى أن عاد أسد الدين إلى مصر في المرة الأخرى واستولى على الديار المصرية وتولى الوزارة وقتل شاور وابنه الكامل وطلب الفاضل وكان في نفسه منه أشياء نقمها عليه في مكاتباته عن شاور وكان يغلظ القول فيها ولجأ القاضي إلى القصر مستجيرا ومستخفيا وطلبه شيركوه من العاضد فشفع فيه فلم يقبل الشفاعة وألح في طلبه فاتفق أن العاضد أهدى إلى شيركوه هدايا نفيسة وقعت منه موقعا لطيفا وسأله مع قبولها أمان الفاضل فأمنه فلما حضر أكرمه شيركوه وأمره بالجلوس في حضرته وقال اكتب كتاب إلى نور الدين محمود بن زنكي عرفه ما فعل الله بهذا الطاغية الفاسق يعني شاورا فكتب ولم يذكره إلا بالخير فغضب أسد الدين وقال ما لك لا تكتب بما آمرك به فقال ما يسعني ذلك أيها الوزير لحقوق له علي فأغلظ له وتهدده إن لم يكتب وحلف ليوقعن به فوثب حتى صار بين يديه وقال قد انبسط الآن عذري فيما كنت أكاتب به المولى فإنما أنا آلة أكتب حسبما أومر فسط عذره وأعجبه مخرجه من الحجة وآنس به آنسا تاما فلما مات أسد الدين شيركوه ترشح أكابر الدولة لمكانه وطمع فيها من هو أهل لذلك
(٢٠٤)