قال ياقوت كان السبب في تقدمه أن أباه كان يتولى بعسقلان بعد القضاء ببيسان وكاتبه السلطان بمصر بالأخبار فاتفق أن والي عسقلان أطلق أسيرا له قيمة فتعلل عليه المصريون كونه لم يخبر بخبره فاستحضر إلى القاهرة وصودر حتى استصفى ماله ولم يبق له شيء فأصابته فجعة فمات وبقي الفاضل وأخت له وأخ على غاية من الاختلال وسوء الحال والفقر فألجأه الحال إلى أن مشى راجلا إلى الإسكندرية وقصد بها القاضي ابن حديد فالتجأ إليه وعرفه بنفسه وشكا إليه فاقته فتوجع له وفرض له في كل شهر ثلاثة دنانير واستنابه في الكتابة عنه وفتحت الفرنج عسقلان وخرج أخوه وأخته حتى لحقا به وأقاما عنده فاختبره القاضي فوجده على غاية من الفصاحة والبلاغة وحسن المقاصد وكان إذا أراد مكاتبة ديوان مصر أمره بالكتابة عنه وكانت كتبه ترد كالدر النظيم فحسده الكتاب الذين ترد كتبه عليهم وخافوا منه على منزلتهم فسعوا به إلى الظافر بن الحافظ فحدث محمد بن محمد بن بنان الأنباري كاتب الإنشاء يومئذ قال فأحضرني الظافر وأمرني أن أكتب إلى الوالي بالإسكندرية أن يتسلم ابن البيساني من القاضي ابن حديد ويقطع يده ويسيرها إلينا قال فما علمت السبب ولا عرفت) ابن البيساني ووددت لو كان هذا الكتاب بخط غيري فأخذت الدواة والقلم والدرج وكتبت بسم الله الرحمن الرحيم وبطلت الكتابة فنظر إلي وقال ما تنظر قلت عفو مولانا قال تعرف هذا الرجل قلت لا والله قال هذه رقعة وردت من الديوان تخبر بسوء أدبه واستخفافه وذاك أنه كتب كتابا وجعل بين السطر والسطر شبرا وهذا لا يكون إلا من الفاضل إلى المفضول وبلغني أيضا أنه يرى انتقاضنا وذهاب دولتنا دينا فقلت إن رأى استحضار المكتوب والوقوف عليه فأحضر فرأيت أبلغ كتاب وأحسن عبارة فقلت هذا كتاب معدوم المثال وكاتبه أوحد عصره وما كتبوا في أمره بما كتبوا إلا حسدا له فإن رأى إحضار كاتبه وسماع لفظه والعمل بموجب المشاهدة رجوت أن يكون ثوابا وصوابا فكتبت بتسييره مكرما فما كان إلا مسافة الطريق حتى أحضر إلى مجلس الظافر وأنا حاضر فرأيت شابا ظريفا بثياب قصار وأكمام لطيفة وطيلسان فوقف بين يدي الظافر فقال الظافر اختبره في شيء من الرسائل فقلت له مولانا يأمرك أن تكتب منشورا لأحد أولياء دولته يتضمن توليته ما وراء بابه فقال السمع والطاعة فقربت منه دواة فأخذ يكتب وهو قائم وكان إذا أراد أن يستمد
(٢٠٣)