الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ٨ - الصفحة ١٦٨
النار حنو المرضعات على الفطيم وإلى متى تبكي المزاريب بكاء الأولياء بغير حزن إذا استولوا على مال اليتيم وإلى متى هذا البرق تتلوى بطون حياته وتنقلب حماليق العيون المحمرة من أسود غاباته وإلى متى يزمجر عتب هذه الرياح العاصفة وإلى متى يرسل الزمهرير أعوانا تصبح حلاوة الوجوه بها تالفة أترى هذه الأمطار تقلب بالأزيار أم هذه المواليد تنتهي فيها الأعمار كم من جليد يذوب له قلب الجليد ويرى زجاجه الشفاف أصلب من الحديد ووحل لا تمشي هريرة فيه الوحي وبرد لا) تنتطق فيه نؤوم الضحى اللهم حوالينا ولا علينا لقد أضجرنا تراكم الثياب ومقاساة ما لهذه الرحمة من العذاب وانجماع كل عن إلفه واغلاق باب القباب وتخلل الصباب زوايا البيوت فالأطفال ضباب الضباب كل ضب منهم قد ألف باطن نافقائه وقدم بين يديه الموت بداية بدائه قد حسد على النار من أمسى مذنبا وأصبح عاصيا وتمنى أن يرى من فواكه الجنات عنابا وقراصيا فإن كانت هذه الأمطار تكاثر فضائل مولانا فيا طول ما تسفح وإن كانت العواصف تتشبه ببأسه فيا طول ما تلفح وإن كانت البروق تحاكي ذهنه المتسرع فيا طول ما تتألق وإن كانت الرعود تحاكي جوانح أعدائه فيا طول ما تشهق وتفهق وإن كانت السيول تجري وراء جوده فإنها تجري طول المدى وما تلحق والأولى بهذا النوء الباكي أن لا يحاكي والأليق بهذا الفصل المبغض أن لا يتعرض فرحم الله من عرف قدره وتحقق أن مولانا في الجود ندره فأجابني عن هذه الرسالة برسالة أخرى وهي ووقف عليه وتيمن بمجرد إقباله عليه وقبله لقرب عهده بيديه وعده لجلاء المرة وأمره على عينيه وشكره وإن لم تزل حقائب الشكر محطوطة لديه لا برح السهد من جنى ريقه المعلل والطرب بكأس رحيقه المحلل والتيه وحاشاه منه في سلوك طريقه المذلل والسحاب لا يطير إلا بجناح نعمائه المبلل والروض لا يبرز إلا في ثوب تزخرفه المجلل والبرق لا يهتز في مسبل ردائه المسلل والجهد ولو كلف لا يجيء بمثل سيره المذلل والنصر يقضي لمواضيه على حد حسامه المفلل والفجر لولا بيانه الوضاح لما أرشد ليله المضلل والبحر لولا ما عرف من عباب كرمه الزاخر لما ذم على عرر المادة نواله المقلل والفخر وإن شمخ أنفه لا ينافس عقده الموشح ولا يتطاول إلى تاجه المكلل وفهمه فهام واقتبسه فجلا الأوهام ونظر فيه فزاد صقال الأفهام وقصر عن إدراكه فما شك أنه إلهام وانتهى فيه إلى الجواب في وصف أنواء تلك الليلة الماطرة وما موهت به السحب من ذهب برقها وفتلته الأنواء من خيوط ودقها ونفخت فيه الرياح من جمر كانونها وأظهرته حقيقة الرعود من سر مكنونها وما ينبته عارضه ذلك العارض الممطر الذي هو أقوى من شآبيبها وأوقى مما أرقته السماء من جلابيبها وأسرى من برقها المومض في غرابيبها وأسرع من سرى رياحها وقد جمعت أطواق السحب وأخذت بتلابيبها وسبح المملوك من عجب لهذه البلاغة التي كملت الفضائل وفصلت عن العلم وفي الرعيل) الأول علم الأوائل وفضلت مبدعها وحق له التفضيل وآتته جملة الفضل وفي ضمنها التفصيل وأنطقت لسان بيانه وأخرست كل لسان
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»