الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ٨ - الصفحة ١٦٤
غيره وهي الحافظة قلما طالع شيئا إلا وكان مستحضرا لأكثره والذاكرة التي إذا أراد ذكرى شيء من زمن متقدم كان ذلك حاضرا كأنه إنما مر به بالأمس والذكاء الذي تسلط له على ما أراد وحسن القريحة في النظم والنثر أما نثره فلعله في ذروة كان أوج الفاضل لها حضيضا ولا أرى أحدا فيه جودة وسرعة عمل لما يحاوله في أي معنى أراد وأي مقام توخاه وأما نظمه فلعله لا يلحقه فيه إلا الأفراد وأضاف الله تعالى له إلى ذلك كله حسن الذوق الذي هو العمدة في كل فن وهو أحد الأدباء الكملة الذين رأيتهم وأعني بالكملة الذين رأيتهم وأعني بالكملة الذين يقومون بالأدب علما وعملا في النظم والنثر ومعرفة بتراجم أهل عصرهم ومن تقدمهم على اختلاف طبقات لناس وبخطوط الأفاضل وأشياخ الكتابة ثم إنه يشارك من رأيته من الكملة في أشياء وينفرد عنه بأشياء بلغ فيها الغاية وقصر ذلك عن شأوه لأنه جود فن الإنشاء النثر وهو فيه آية والنظم وساير فنونه والترسل البارع عن الملوك ولم أر من يعرف تواريخ ملوك المغل من لدن جنكزخان وهلم وجرا معرفته وكذلك ملوك الهند الأتراك وأما معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم ومواقع البلدان وخواصها فإنه فيها إمام وقته وكذلك معرفة الأسطرلاب وحل التقويم وصور الكواكب وقد أذن له العالمة الشيخ شمس الدين الأصبهاني في الإفتاء على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فهو حينئذ أكمل الذين رأيتهم ولقد استطرد الكلام يوما إلى ذكر القضاة فسرد القضاة الأربعة الذين عاصرهم شاما ومصرا وألقابهم وأسماءهم وعلامة كل قاض منهم حتى إني ما كدت أقضي العجب مما رأيت منه واتفق يوما آخر أنه احتجت إلى كتابة صداق لبنت شمس الدين ابن الشيرازي فذكر على الفور اسمها واسم أبيها وسرد نسبه فجئت إلى البيت وراجعت تعاليقي ومسوداتي فكان الأمر كما ذكر لم يخل باسم ولا لقب ولا كنية ولد بدمشق ثالث شوال سنة سبعمائة وتوفي رحمه الله تعالى يوم عرفة سنة تسع وأربعين وسبعمائة قرأ العربية أولا على الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة ثم قاضي القضاة شمس الدين ابن مسلم والفقه على قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد عبد الله وعلى الشيخ برهان الدين قليلا وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقي الدين ابن تيمية والعروض والأدب على الشيخ شمس الدين الصايغ وعلاء الدين الوداعي وقرأ جملة من المعاني والبيان) على العلامة شاب الدين محمود وقرأ عليه جملة من الدواوين وكتب الأدب وقرأ بعض شيء من العروض على الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني والأصول على الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأخذ اللغة عن الشيخ أثير الدين سمع عليه الفصيح والأشعار الستة والدريدية وأكثر ديوان أبي تمام وغير ذلك وسمع بدمشق من الحجار وست الوزراء وابن أبي الفتح والحجاز ومصر والإسكندرية وبلاد الشام وأجاز له جماعة وصنف فواضل السمر في فضائل آل عمر أربع مجلدات وكتاب مسالك الأبصار في عشرة كبار وهو كتاب حافل ما أعلم أن لأحد مثله والدعوة المستجابة مجلد وصبابة
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»