تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٢ - الصفحة ٢١٨
وفي سنة تسعين انتقض ما بينه وبين الأذفنش من العهد، وعاثت الفرنج في الأندلس، فتجهز أبو يوسف وأخذ في العبور، فعبر في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين، ونزل بإشبيلية،) فعرض جيوشه، وقسم الأموال، وقصد العدو المخذول، فتجهز الأذفنش في جموع ضخمة، فالتقوا بفحص الحديد، وكان الأذفنش قد جمع جموعا لم يجتمع له مثلها قط، فلما تراءى الجمعان اشتد خوف الموحدين، وأمير المؤمنين يعقوب في ذلك كله لا مستند له إلا الدعاء، والاستعانة بكل من يظن أنه صالح، فتواقعوا في ثالث شعبان، فنصر الله الإسلام، ومنح أكتاف الروم، حتى لم نج الفنش، إلا في نحو من ثلاثين نفسا من وجوه أصحابه. واستشهد يومئذ جماعة من الأعيان، منهم الوزير أبو بكر ابن عبد الله ابن الشيخ عمر اينتي، وأتى أبو يوسف قلعة رباح وقد هرب أهلها، فدخلها وجعل كنيستها مسجدا واستولى على ما حول طليطلة من الحصون، ورد إلى إشبيلية.
ثم قصد الروم من إشبيلية في سنة اثنتين وتسعين، فنزل على مدينة طليطلة بجيوشه، فقطع أشجارها، وأنكى في الروم نكاية بينة ورجع. ثم عاد في المرة الثالثة، وتوغل في بلاد الروم، ووصل إلى مواضع لم يصل إليها ملك من ملوك المسلمين، ورجع، فأرسل الأذفنش يطلب المهادنة، فهادنه عشر سنين، وعبر بعد هذا إلى مراكش في سنة أربع وتسعين.
قال: وبلغني عن غير واحد أنه صرح للموحدين بالرحلة إلى المشرق، وجعل يذكر لهم البلاد المصرية وما فيها من المناكير والبدع ويقول: نحن إن شاء الله مطهروها. ولم يزل هذا عزمه إلى أن مات في صدر سنة خمس.
وكان في جميع أيامه مؤثرا للعدل بحسب طاقته، وبما يقتضيه إقليمه والأمة التي هو فيها.
وكان يتولى الإمامة بنفسه في الصلوات الخمس أشهرا إلى أن أبطأ يوما
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»