وأما يحيى بن غانية فإنه بعث أخاه أبا محمد عبد الله إلى ميورقة فاستقل بها، إلى أن دخلها عليه الموحدون قبل الستمائة. وبقي يحيى بإفريقيا يظهر مرة ويخمد أخرى، وله أخبار يطول شرحها.
وفي غيبة المنصور عن مراكش طمع عماه في الأمر، وهما سليمان وعمر، فأسرع المنصور ولم يتم لهما ما راماه، فتلقياه وترجلا له، فقبض عليهما، وقيدهما في الحال، فلما دخل مراكش قتلهما صبرا، فهابه جميع القرابة وخافوه.
ثم أظهر بعد زهدا وتقشفا وخشونة عيش وملبس، وعظم صيت العباد والصالحين في زمانه، وكذلك أهل الحديث، وارتفعت منزلتهم عنده فكان يسألهم الدعاء. وانقطع في أيامه علم الفروع، وخاف منه الفقهاء، وأمر بإحراق كتب المذهب بعد أن يجرد بعد أن يجرد ما فيها من الحديث، فأحرق منها جملة في سائر بلاده، كالمدونة، وكتاب ابن يونس، ونوادر ابن أبي زيد، والتهذيب للبرادعي، والواضحة لابن حبيب.
قال محيي الدين عبد الواحد بن علي المراكشي في كتاب المعجب له: ولقد كنت بفاس، فشهدت يؤتى بالأحمال منها فتوضع ويطلق فيها النار.
قال: وتقدم إلى الناس بترك الفقه والاشتغال بالرأي والخوض فيه، وتوعد على ذلك، وأمر من عنده من المحدثين بجمع أحاديث من المصنف العشرة وهي: الموطأ، والكتب الخمسة، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند البزار، وسنن الدارقطني، وسنن البيهقي في الصلاة وما يتعلق بها، على نحو الأحاديث التي جمعها ابن تومرت في الطهارة.
فجمعوا ذلك، فكان يمليه بنفسه على الناس، ويأخذهم بحفظه. وانتشر هذا المجموع في جميع) المغرب وحفظه خلق. وكان يجعل لمن حفظه عطاء وخلعة.
وكان قصده في الجملة محو مذهب مالك رضي الله عنه وإزالته من