المغرب. وحمل الناس علي الظاهر من القرآن والسنة. وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده، إلا أنهما لم يظهراه، وأظهره هو.
أخبرني غير واحد ممن لقي الحافظ أبا بكر بن الجدانة أنه أخبرهم قال: دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب يوسف أول دخلة دخلتها عليه، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس، فقال لي: يا أبا بكر أنا أنظر في الآراء المتشعبة التي أحدثت في دين الله. أرأيت يا أبا بكر المسألة فيها أربعة أقوال، وخمسة أقوال، أو أكثر في أي هذه الأقوال الحق وأيها يجب أن يأخذ به المقلد فافتتحت أبين له، فقال لي، وقطع كلامي: يا أبا بكر ليس إلا هذا، وأشار إلى المصحف، أو هذا، وأشار إلى سنن أبي داود، أو السيف.
قال عبد الواحد: وظهر في أيام أبي يوسف يعقوب ما خفي في أيام أبيه وجده، ونال عنده طلبة العلم والحديث ما لم ينالوا في أيام أبويه، وانتهى أمره إلى أن قال يوما بحضرة كافة الموحدين: يا معشر الموحدين، أنتم قبائل، فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته وهؤلاء، يعني الطلبة، لا قبيل لهم إلا أنا، فمهما نابهم أمر فأنا ملجأهم. فعظموا عند ذلك في أعين الموحدين، وبالغوا في احترامهم.
وفي سنة خمس وثمانين قصد بطرو بن الريق لعنه الله مدينة شلب فنالها فأخذها، فتجهز المنصور أبو يوسف في جيوش عظيمة، وعبر البحر، ونزل على شلب، فلم يطق الفرنج دفاعه، وهربوا منها، وتسلمها. ولم يكفه ذلك حتى أخذ لهم حصنا، ورجع فمرض بمراكش مرضا عظيما، وتكلم أخو أبو يحيى في الملك، ودعا إلى نفسه، فلما عوفي قتله صبرا، وقال: وإنما أقتلك بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الأحدث منهما. تولى قتله أخو عبد الرحمن بمحضر من الناس. ثم تهدد القرابة وأهانهم، فلم يزالوا في خمول، وقد كانوا قبل ذلك لا فرق بينهم وبين الخليفة سوى نفوذ العلامة.