تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ١٩ - الصفحة ٢٦٥
قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه، فذكر حديث سعد وعبد الرحمن.
فقلت: قد جعلتك في حل من كل ما تقول، ووهبتك المال الذي عرضته علي، عنيت المناصفة، وذلك أنه قال: لي جوار وامرأة وأنت أعزب، فالذي يجب علي أن أناصفك لنستوي في المال وغيره، وأربح عليك في ذلك.
فقلت له: قد فعلت، رحمك الله، أكثر من ذلك، إذ أنزلتني من نفسك ما لم تنزل أحدا، وصلت منك محل الولد.
ثم حفظ على حديثي الأول، وقال: ما حاجتك قلت: تقضيها قال: نعم وأسر بذلك.
قلت: هذه الألف تأمر بقبوله وتصرفه في بعض ما تحتاج إليه قبله، وذلك أنه ضمن إجابة قضاء حاجتي.
ثم جلسنا بعد ذلك بيومين لتصنيف الجامع وكتبنا منه ذلك اليوم شيئا كثيرا إلى الظهر. ثم صلينا الظهر، وأقبلنا على الكتابة من غير أن نكون أكلنا شيئا. فرآني لما كان العصر شبه القلق المستوحش، فتوهم في ملالا وإنما كان بي الحصر، غير أني لم أقدر على القيام، فكنت أتلوى اهتماما بالحصر. فدخل أبو عبد الله المنزل، وأخرج إلي، كاغدة فيها ثلاثمائة درهم، وقال: أما إذا لم تقبل ثمن المنزل فينبغي أن تصرف هذا في بعض حوائجك.
فجهد بي، فلم أقبل، ثم كان بعد أيام كتبنا إلى الظهر أيضا، فناولني عشرين درهما وقال: اصرفها في شري الحصر. فاشتريت بها ما كنت أعلم أنه يلائمه، وبعثت به إليه، وأتيت فقال: بيض الله وجهك ليس فيك حيلة. فلا ينبغي أن نعني أنفسنا.
فقلت: إنك قد جمعت خير الدنيا والآخرة فأي رجل يبر خادمه بما تبرني؟
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»