ودخلت على أبي يوما فقلت له: بلغني أن رجلا جاء إلى فضل الأنماطي فقال له: اجعلني في جل إذ لم أقم بنصرتك.
فقال فضل: لا جعلت أحدا في جل.
فتبسم أبي وسكت. فلما كان بعد أيام قال: مررت بهذه الآية: فمن عفا وأصلح فأجره على الله فنظرت في تفسيرها، فإذا هو ما حدثني أبو النضر: ثنا ابن فضالة المبارك: حدثني من سمع الحسن يقول: إذا جئت الأمم بين يدي رب العالمين نودوا: ليقم من أجره على الله. فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا.
قال أبي: فجعلت الميت في جل من ضربه إياي.
ثم جعل يقول: وما على رجل ألا يعذب الله بسببه أحدا.
وقال حنبل بن إسحاق: لما أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله خلع عليه مبطنة وقميصا وطيلسانا وخفا وقلنسوة، فبينا نحن على باب الدار والناس في الميدان والدروب وغيرها، وأغلقت الأسواق، إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار أبي إسحاق المعتصم، وعليه تلك الثياب، وابن أبي دؤاد عن يمينه، وإسحاق بن إبراهيم، يعني نائب بغداد، عن يساره، فلما صار في دهليز المعتصم قبل أن يخرج قال لهم ابن أبي دؤاد: اكشفوا رأسه. فكشفوه، يعني الطيلسان فقط، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس. فقال لهم إسحاق: خذوا به ههنا، يريد دجلة. فذهب به إلى الزورق، وحمل إلى دار إسحاق، وأقام عنده إلى صليت الظهر. وبعث إلى أبي وإلى جيراننا ومشايخ المحال، فجمعوا وأدخلوا عليه، فقال لهم: هذا أحمد بن حنبل إن كان فيكم من يعرفه، وإلا فليعرفه.
وقال ابن سماعة حين دخل للجماعة: هذا أحمد بن حنبل، فإن أمير المؤمنين ناظره في أمره، وقد خلى سبيله، وها هو ذا.
فأخرج على دابة لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس، فصار إلى