وقد قيل في هذا المعنى شيء كثير والاختصار أولى والله أعلم وأما قوله ولا جلد عمرو الممزق بالضرب فيريد قول النحاة ضرب زيدا عمرا فإنهم أبدا يستعملون هذا المثال ولا يمثلون بغيره فكأنهم يمزقون جلده بكثرة الضرب عدنا إلى ما كنا عليه وكان القاضي أبو المحاسن المذكور يسلك طريق البغاددة في ترتيبهم وأوضاعهم وحتى إنه كان يلبس ملبوسهم والرؤساء الذين يترددون إليه كانوا ينزلون عن دوابهم على قدر أقدارهم لكل واحد منهم مكان معين لا يتعداه ثم إنه تجهز إلى الديار المصرية لإحضار ابنة الملك الكامل ابن الملك العادل للملك العزيز صاحب حلب وكان قد عقد نكاحه عليها فسافر في أول سنة تسع وعشرين أواخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وعاد وقد جاء بها في شهر رمضان من السنة ولما وصل كان قد استقل الملك العزيز بنفسه ورفعوا عنه الحجر ونزل الأتابك طغرل من القلعة إلى داره تحت القلعة واستولى على الملك العزيز جماعة من الشباب الذي كانوا يعاشرونه ويجالسونه فاشتغل بهم ولم ير القاضي أبو المحاسن وجها يرتضيه فلازم داره إلى حين وفاته وهو باق على الحكم وإقطاعه جار عليه غاية ما في الباب أنه لم يبق له حديث في الدولة ولا كانوا يراجعونه في الأمور فصار يفتح بابه لإسماع الحديث كل يوم بين الصلاتين وظهر عليه الخرف بحيث إنه صار إذا جاءه الإنسان لا يعرفه وإذا عاد قام يسأل عنه ولا يعرفه واستمر على هذه الحال مديدة ثم مرض أياما قلائل وتوفي يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة رحمه الله تعالى بحلب ودفن في التربة المقدم ذكرها وحضرت الصلاة عليه ودفنه وما جرى بعد ذلك (وصنف كتاب ملجأ الحكام عند التباس الأحكام يتعلق بالأقضية في مجلدين وكتاب دلائل الأحكام تكلم فيه على الأحاديث المستنبط
(٩٩)