بجواز طلب ذلك اقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أهل المرية لقاضي بلدهم وهو أبو عبد الله ابن الفراء أن يكتب جوابه وكان هذا القاضي من الدين والورع على ما ينبغي فكتب إليه أما بعد ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة وتأخري عن ذلك وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اقتضاها وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعه في قبره ولا يشك في عدله فليس أمير المسلمين بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بضجيعه في قبره ولا من لا يشك في عدله فإن كان الفقهاء والقضاة أنزلوك بمنزلته في العدل فالله سائلهم عن تقلدهم فيك وما اقتضاها عمر حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلف أن ليس عنده درهم واحد من بيت مال المسلمين ينفقه عليهم فلتدخل المسجد الجامع هنالك بحضرة أهل العلم وتحلف أن ليس عندك درهم واحد ولا في بيت مال المسلمين وحينئذ تستوجب ذلك والسلام ولما قضى أمير المسلمين من هذه الوقعة ما قضى أمر عساكره بالمقام وأن تشن الغارات على بلاد الفرنج وأمر عليهم سير ابن أبي بكر وطلب الرجوع في طريقه فتكرم له المعتمد بن عباد فعرج به إلى بلاده وسأله أن ينزل عنده فأجابه يوسف إلى ذلك فلما انتهى إلى إشبيلية مدينة المعتمد وكانت من أجمل المدن منظرا ونظر إلى موضوعها على نهر عظيم مستبحر تجري فيه السفن بالبضائع جالبة من بر المغرب وحاملة إليه فر في غربية رستاق عظيم مسيرة عشرين فرسخا يشتمل على آلاف من الضياع كلها تين وعنب وزيتون وهذا الموضع هو المسمى شرف إشبيلية وتمير بلاد المغرب كلها من هذه الأصناف وفي جانب المدينة قصور المعتمد وأبيه المعتضد في غاية الحسن والبهاء وفيها أنواع ما يحتاج إليه من المطعوم والمشروب والملبوس والمفروش وغير ذلك فأنزل المعتمد يوسف بن تاشفين في أحدها وتولى من إكرامه وخدمته ما أوسع شكر ابن تاشفين له وكان مع ابن تاشفين أصحاب له ينبهونه على تأمل تلك الحال وما هي عليه من النعمة والإتراف
(١١٩)