بثلاثمائة دينار فأخذ صرة وربط فيها مائة دينار وأنفذها إلى البحتري وكتب إليه معها رقعة فيها هذه الأبيات (لو يكون الحباء حسب الذي أنت * لدينا به محل وأهل) (لحبيت اللجين والدر واليا * قوت حثوا وكان ذاك يقل) (والأديب الأريب يسمح بالعذر * إذا قصر الصديق المقل) فلما وصلت الرقعة إلى البحتري رد الدنانير وكتب إليه (بأبي أنت والله للبر أهل * والمساعي بعد وسعيك قبل) (والنوال القليل يكثر إن شاء * مرجيك والكثير يقل) (غير أني رددت برك إذ كان * ربا منك والربا لا يحل) (وإذا ما جزيت شعرا بشعر * قضي الحق والدنانير فضل) فلما عادت الدنانير إليه حل الصرة وضم إليها خمسين دينارا أخرى وحلف أنه لا يردها عليه وسيرها فلما وصلت إلى البحتري أنشأ يقول (شكرتك إن الشكر للعبد نعمة * ومن يشكر المعروف فالله زائده) (لكل زمان واحد يقتدى به * وهذا زمان أنت لا شك واحده) وكان البحتري كثيرا ما ينشد لشاعر أنسي اسمه ويعجبه قوله (حمام الأراك ألا فأخبرينا * لمن تندبين ومن تعولينا) (فقد شقت بالنوح منا القلوب * وأبكيت بالندب منا العيونا) (تعالي نقم مأتما للهموم * ونعول إخواننا الظاعنينا) (ونسعدكن وتسعدننا * فإن الحزين يواسي الحزينا) ثم إني وجدت هذه الأبيات لنبهان الفقعسي من العرب وكان البحتري قد اجتاز بالموصل وقيل برأس عين ومرض بها مرضا
(٢٧)