(أيدت من فصل الخطاب بحكمة * تنبي عن الحق المبين وتخبر) (ووقفت في برد النبي مذكرا * بالله تنذر تارة وتبشر) هذا القدر هو المقصود مما نحن فيه وهذا الشعر هو السحر الحلال على الحقيقة والسهل الممتنع فلله دره ما أسلس قياده وأعذب ألفاظه وأحسن سبكه وألطف مقاصده وليس فيه من الحشو شيء بل جميعه نخب وديوانه موجود وشعره سائر فلا حاجة إلى الإكثار منه هاهنا لكن نذكر من وقائعه ما يستظرف فمن ذلك أنه كان له غلام اسمه نسيم فباعه فاشتراه أبو الفضل الحسن بن وهب الكاتب وقد سبق ذكر أخيه سليمان في حرف السين ثم إن البحتري ندم على بيعه وتتبعته نفسه فكان يعمل فيه الشعر ويذكر أنه خدع وأن بيعه لم يكن من مراده فمن ذلك قوله (أنسيم هل للدهر وعد صادق * فيما يؤمله المحب الوامق) (ما لي فقدتك في المنام ولم تزل * عون المشوق إذا جفاه الشائق) (أمنعت أنت من الزيارة رقبة * منهم فهل منع الخيال الطارق) (اليوم جاز بي الهوى مقداره * في أهله وعلمت أني عاشق) (فليهنئ الحسن بن وهب أنه * يلقى أحبته ونحن نفارق) وله فيه أشعار كثيرة ومن أخباره أنه كان بحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي مات أبوه وخلف له مقدار مائة ألف دينار فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله فقصده البحتري من العراق فلما وصل إلى حلب قيل له إنه قد قعد في بيته لديون ركبته فاغتم البحتري لذلك غما شديدا وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه فلما وصلته ووقف عليها بكى ودعا بغلام له وقال له بع داري فقال له أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس فقال لا بد من بيعها فباعها
(٢٦)