فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ بكتاب المعاني قال الراوي وأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلم نضبطهم فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا فلم يزل يمليه حتى أتمه ولما فرغ من كتاب المعاني خزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا به وقالوا لا نخرجه إلا لمن أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم فشكا الناس إلى الفراء فدعا الوراقين فقال لهم في ذلك فقالوا إنما صحبناك لننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب فدعنا نعيش به فقال قاربوهم تنتفعوا وتنفعوا فأبوا عليه فقال سأريكم وقال للناس إني ممل كتاب معان أتم شرحا وأبسط قولا من الذي أمليت فجلس يملي فأملى الحمد في مائة ورقة فجاء الوراقون إليه وقالوا نحن نبلغ الناس ما يحبون فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم وكان سبب إملائه كتاب المعاني أن أحد أصحابه وهو عمر بن بكير كان يصحب الحسن بن سهل المقدم ذكره فكتب إلى الفراء إن الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني عنها جواب فإن رأيت أن تجمع لي أصولا وتجعل ذلك كتابا يرجع إليه فعلت فلما قرأ الكتاب قال لأصحابه اجتمعوا حتى أملي عليكم كتابا في القرآن وجعل لهم يوما فلما حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء فقال له اقرأ فقرأ فاتحة الكتاب ففسرها حتى مر في القرآن كله على ذلك يقرأ الرجل والفراء يفسره وكتابه هذا نحو ألف ورقة وهو كتاب لم يعمل مثله ولا يمكن أحدا أن يزيد عليه وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو فلما كان يوما أراد الفراء
(١٧٨)