وإذ قد ذكرنا ثقة الدولة المذكور فنذكر قصيدة أبي محمد عبد الله بن محمد التنوخي المعروف بابن قاضي ميلة التي مدحه بها في عيد النحر وهي قصيدة بديعة لا توجد بكمالها في أيدي الناس ولقد ظفرت بها في ظهر كتاب ولم يكن عندي منها سوى البعض ولا سمعت أحدا يروي منها إلا ذلك القدر فأحببت إثباتها لحسنها وغرابتها وهي هذه (يذيل الهوى دمعي وقلبي المعنف * وتجني جفوني الوجد وهو المكلف) (وإني ليدعوني إلى ما شنفته * وفارقت مغناه الأغن المشنف) (وأحور ساجي الطرف أما وشاحه * فصفر وأما وقفه فموقف) (يطيب أجاج الماء من نحو أرضه * يحيي ويندى ريحه وهو حرجف) (وأيأسني من وصله أن دونه * متالف تسري الريح فيها فتتلف) (وغيران يجفو النوم كي لا يرى لنا * إذا نام شملا في الكرى يتألف) (يظل على ما كان من قرب دارنا * وغفلته عما مضى يتأسف) (وجون بمزن الرعد يستن ودقه * يرى برقه كالحية الصل تطرف) (كأني إذا ما لاح والرعد معول * وجفن السحاب الجون بالماء يذرف) (سليم وصوت الرعد راق وودقه * كنفث الرقى من سوء ما أتكلف) (ذكرت به ريا وما كنت ناسيا * فأذكر لكن لوعة تتضعف) (ولما التقينا محرمين وسيرنا * بلبيك ربا والركائب تعسف) (نظرت إليها والمطي كأنما * غواربها منها معاطس رعف) (فقالت أما منكن من يعرف الفتى * فقد رابني من طول ما يتشوف) (أراه إذا سرنا يسير حذاءنا * ونوقف أخفاف المطي فيوقف)
(١٥٩)