وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٥ - الصفحة ٥٢
أعدائكم ما كنتم تصنعون قالوا كنا نقدم أنفسنا بين يديه للموت قالوا من هو قال ضيفكم يعني نفسه فقالوا السمع والطاعة وكانوا يغالون في تعظيمه فأخذ عليهم العهود والمواثيق واطمأن قلبه ثم قال لهم استعدوا لحضور هؤلاء بالسلاح فإذا جاءوكم على عاداتهم وخلوا بينهم وبين النساء وميلوا عليهم بالخمور فإذا سكروا فأذنوني بهم فلما حضر المماليك وفعل بهم أهل الجبل ما أشار به محمد وكان ليلا فأعلموه بذلك فأمر بقتلهم بأسرهم فلم يمض من الليل سوى ساعة حتى أتوا على آخرهم ولم يفلت منهم سوى مملوك واحد كان خارج المنازل لحاجة له فسمع التكبير عليهم والوقع بهم فهرب من غير الطريق حتى خلص من الجبل ولحق بمراكش وأخبر الملك بما جرى فندم على فوات محمد من يده وعلم أن الحزم كان مع مالك ابن وهيب فيما أشار به فجهز من وقته خيلا بمقدار ما يسع وادي تين مل فإنه ضيق المسلك وعلم محمد أنه لا بد من عسكر يخرج إليهم فأمر أهل الجبل بالقعود على أنقاب الوادي ومراصده واستنجد لهم بعض المجاورين فلما وصلت الخيل إليهم أقبلت عليهم الحجارة من جانبي الوادي مثل المطر وكان ذلك من أول النهار إلى آخره وحال بينهم الليل فرجع العسكر إلى الملك وأعلموه بما تم لهم فعلم أنه لا طاقة له بأهل الجبل لتحصنهم فأعرض عنهم وتحقق محمد ذلك منه وصفت له مودة أهل الجبل فعند ذلك استدعى الونشريسي المذكور وقال له هذا أوان إظهار فضائلك دفعة واحدة ليقوم لك مقام المعجزة لنستميل بك قلوب من لا يدخل في الطاعة ثم اتفقا على أنه يصلي الصبح ويقول بلسان فصيح بعد استعمال العجمة واللكنة في تلك المدة إني رأيت البارحة في منامي وقد نزل بي ملكان من السماء وشقا فؤادي وغسلاه وحشياه علما وحكمة وقرآنا فلما أصبح فعل ذلك وهو فصل يطول شرحه فانقاد له كل صعب القياد وعجبوا من حاله وحفظه القرآن
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»