وعلت منزلته عند نور الدين وصار صاحب سره وسيره إلى دار السلام بغداد رسولا في أيام الإمام المستنجد ولما عاد فوض إليه تدريس المدرسة المعروفة به في دمشق أعني العماد وذلك في شهر رجب سنة سبع وستين وخمسمائة ثم رتبه في اشراف الديوان في سنة ثمان وستين ولم يزل مستقيم الحال رخي البال إلى أن توفي نور الدين في التاريخ الآتي ذكره إن شاء الله تعالى وقام ولده الملك الصالح إسماعيل مقامه وكان صغيرا فاستولى عليه جماعة كانوا يكرهون العماد فضايقوه وأخافوه إلى أن ترك جميع ما هو فيه وسافر قاصدا بغداد فوصل إلى الموصل ومرض بها مرضا شديدا ثم بلغه خروج السلطان صلاح الدين من الديار المصرية لأخذ دمشق فانثنى عزمه عن قصد العراق وعزم على العود إلى الشام وخرج من الموصل رابع جمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة وسلك طريق البرية فوصل إلى دمشق في ثامن جمادى الآخرة وصلاح الدين يومئذ نازل على حلب ثم قصد خدمته وقد تسلم قلعة حمص في شعبان من السنة فحضر بين يديه وأنشده قصيدة أطال نفسه فيها ثم لزم الباب ينزل لنزول السلطان ويرحل لرحيله فاستمر على عطلته مديدة وهو يغشى مجالس السلطان وينشده في كل وقت مدائح ويعرض بصحبته القديمة ولم يزل على ذلك حتى نظمه في سلك جماعته واستكتبه واعتمد عليه وقرب منه فصار من جملة الصدور المعدودين والأماثل المشهورين يضاهي الوزراء ويجري في مضمارهم وكان القاضي الفاضل في أكثر أوقاته ينقطع عن خدمة السلطان ويتوفر على مصالح الديار المصرية والعماد ملازم الباب بالشام وغيره وهو صاحب السر المكتوم وصنف التصانيف النافعة من ذلك كتاب خريدة القصر وجريدة العصر جعله ذيلا على زينة الدهر تأليف أبي المعالي سعد بن علي الوراق الحظيري والحظيري جعل كتابه ذيلا على دمية القصر وعصرة أهل العصر للباخرزي والباخرزي جعل كتابه ذيلا على يتيمة الدهر للثعالبي وقد
(١٤٩)