وعول عليه في آخر مدته في أشراف ديوانه وزاد ماله ولم يظهر منه في أيام أتابك زنكي كرم ولا جود ولا تظاهر بموجود فلما قتل على قلعة جعبر كما تقدم في ترجمته أراد بعض العسكر قتل الوزير المذكور ونهب ماله فتعرضوا له ورموا خيمته بالنشاب فحماه جماعة من الأمراء وتوجه بالعسكر إلى الموصل فرتبه سيف الدين غازي بن أتابك زنكي المقدم ذكره في وزارته وفوض الأمور وتدبير أحوال الدولة إليه وإلى زين الدين علي بن بكتكين والد مظفر الدين صاحب إربل وقد تقدم طرف من خبره في ترجمة ولده في حرف الكاف فظهر حينئذ جود الوزير المذكور وانبسطت يده ولم يزل يعطي ويبذل الأموال ويبالغ في الإنفاق حتى عرف بالجواد وصار ذلك كالعلم عليه حتى لا يقال له إلا جمال الدين الجواد ومدحه جماعة من الشعراء من جملتهم محمد بن نصر بن صغير القيسراني الشاعر المقدم ذكره فإنه قصده بقصيدته المشهورة التي أولها (سقى الله بالزوراء من جانب الغربي * مها وردت عين الحياة من القلب) وهي من القصائد الطنانة وأثر آثارا جميلة وأجرى الماء إلى عرفات أيام الموسم من مكان بعيد وعمل الدرج من أسفل الجبل إلى أعلاه وبنى سور مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان خرب من مسجده وكان يحمل في كل سنة إلى مكة شرفها الله تعالى والمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام من الأموال والكسوات للفقراء والمنقطعين ما يقوم بهم مدة سنة كاملة وكان له ديوان مرتب باسم أرباب الرسوم والقصاد لا غير ولقد تنوع في فعل الخير حتى جاء في زمنه بالموصل غلاء مفرط فواسى الناس حتى لم يبق له شيء وكان إقطاعه عشر مغل البلاد على جاري عادة وزراء الدولة السلجوقية فأخبر بعض وكلائه أنه دخل عليه يوما فناوله بقياره وقال له بع هذا واصرف ثمنه إلى المحاويج فقال له الوكيل إنه لم يبق عندك سوى هذا البقيار والذي على رأسك وإذا بعت
(١٤٤)