سفرا ولم يكن في ذلك الوقت أحد مثله في فنه وكان حسن العبارة في تواليفه لطيف الإشارة وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذليل حتى قال بعض علماء هذا الفن ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من أبي بشر يعني المذكور وكان أبو نصر يحضر حلقته في غمار تلامذته فأقام أبو نصر كذلك برهة ثم ارتحل إلى مدينة حران وفيها يوحنا بن حيلان الحكيم النصراني فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا ثم إنه قفل راجعا إلى بغداد وقرأ بها علوم الفلسفة وتنازل جميع كتب أرسطاطاليس وتمهر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها ويقال إنه وجد كتاب النفس لأرسطاطاليس وعليه مكتوب بخط أبي نصر الفارابي إني قرأت هذا الكتاب مائتي مرة ونقل عنه أنه كان يقول قرأت السماع الطبيعي لأرسطاطاليس الحكيم أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته ويروى عنه أنه سئل من أعلم الناس بهذا الشأن أنت أم أرسطاطاليس فقال لو أدركته لكنت أكبر تلامذته وذكره أبو القاسم صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن بن صاعد القرطبي في كتاب طبقات الحكماء فقال الفارابي فيلسوف المسلمين بالحقيقة أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن حيلان المتوفى بمدينة السلام في أيام المقتدر فبذ جميع أهل الإسلام وأربى عليهم في التحقيق لها وشرح غامضها وكشف سرها وقرب تناولها وجميع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة لطيفة الإشارة منبها على ما أعيا الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعاليم وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمسة وأفاد وجوه الانتفاع بها وعرف طرق استعمالها وكيف تصرف صورة القياس في كل مادة منها فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية والنهاية الفاضلة ثم له بعد هذا كتاب شريف في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه ولا ذهب أحد مذهبه فيه ولا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به انتهى كلام ابن صاعد وذكر بعد ذلك
(١٥٤)