وأتقن الخلاف وفنون الأدب وله من الشعر والرسائل ما يغني عن الإطالة في شرحه وكان قد نشأ بأصبهان وقدم بغداد في حداثته وتفقه على الشيخ أبي منصور سعيد بن محمد بن الرزاز مدرس النظامية وسمع بها الحديث من أبي الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام وأبي منصور محمد بن عبد الملك بن جيرون وأبي المكارم المبارك بن علي السمرقندي وأبي بكر أحمد بن علي بن الأشقر وغيرهم وأقام بها مدة ولما تخرج ومهر تعلق بالوزير عون الدين يحيى بن هبيرة ببغداد فولاه النظر بالبصرة ثم بواسط ولم يزل ماشي الحال مدة حياته فلما توفي في التاريخ الآتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى تشتت شمل أتباعه والمنتسبين إليه ونال المكروه بعضهم وأقام العماد مدة في عيش منكد وجفن مسهد ثم انتقل إلى مدينة دمشق فوصلها في شعبان سنة اثنتين وستين وخمسمائة وسلطانها يومئذ الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن أتابك زنكي الآتي ذكره إن شاء الله تعالى وحاكمها ومتولي أمورها وتدبير دولتها القاضي كمال الدين أبو الفضل محمد ابن الشهرزوري المقدم ذكره فتعرف به وحضر مجالسه وذكر لديه مسألة في الخلاف وعرفه الأمير الكبير نجم الدين أبو الشكر أيوب والد السلطان صلاح الدين رحمهما الله تعالى وكان يعرف عمه العزيز من قلعة تكريت فأحسن إليه وأكرمه وميزه عند الأعيان والأماثل وعرفه السلطان صلاح الدين من جهة والده ومدحه في ذلك الوقت بدمشق المحروسة وذكر العماد ذلك في كتابه البرق الشامي وأورد القصيدة التي مدحه بها يومئذ ثم إن القاضي كمال الدين نوه بذكره عند السلطان نور الدين وعدد عليه فضائله وأهله لكتابة الإنشاء قال العماد فبقيت متحيرا في الدخول فيما ليس من شأني ولا وظيفتي ولا تقدمت لي به دربة ولقد كانت مواد هذه الصناعة عتيدة عنده لكنه لم يكن قد مارسها فجبن عنها في الابتداء فلما باشرها هانت عليه وأجاد فيها وأتى فيها بالغرائب وكان ينشئ الرسائل باللغة العجمية أيضا وحصل بينه وبين صلاح الدين في تلك المدة مودة أكيدة وامتزاج تام
(١٤٨)