تسع وعشرين وأربعمائة ثار في رأس مسار وهو أعلى ذروة في جبال اليمن وكان معه ستون رجلا قد حالفهم بمكة في موسم سنة ثمان وعشرين وأربعمائة على الموت والقيام بالدعوة وما منهم إلا من هو من قومه وعشائره في منعة وعدد كثير ولم يكن برأس الجبل المذكور بناء بل كان قلة منيعة عالية فلما ملكها لم ينتصف نهار ذلك اليوم الذي ملكها في ليلته إلا وقد أحاط به عشرون ألف ضارب سيف وحصروه وشتموه وسفهوا رأيه وقالوا له إن نزلت وإلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع فقال لهم لم أفعل هذا إلا خوفا علينا وعليكم أن يملكه غيرنا فإن تركتموني أحرسه وإلا نزلت إليكم فانصرفوا عنه ولم تمض عليه أشهر حتى بناه وحصنه وأتقنه واستفحل أمر الصليحي شيئا فشيئا وكان يدعو للمستنصر صاحب مصر في الخفية ويخاف من نجاح صاحب تهامة ويلاطفه ويستكين لأمره وفي الباطن يعمل الحيلة في قتله ولم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه وذلك في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة بالكدراء وفي سنة ثلاث وخمسين كتب الصليحي إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدعوة فأذن له فطوى البلاد طيا وفتح الحصون والتهائم ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد ملك اليمن كله سهله ووعره وبره وبحره وهذا أمر لم يعهد مثله في جاهلية ولا إسلام حتى قال يوما وهو يخطب الناس في جامع الجند وفي مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن ولم يكن ملكها بعد فقال بعض من حضر مستهزئا سبوح قدوس فأمر بالحوطة عليه وخطب الصليحي في مثل ذلك اليوم على منبر عدن فقام ذلك الإنسان وتغالى في القول وأخذ البيعة ودخل في المذهب ومن سنة خمس وخمسين استقر حاله في صنعاء وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم وأسكنهم معه وولى في الحصون غيرهم واختط بمدينة صنعاء
(٤١٢)