قال أبو العباس المبرد في إسناد ذكره آخره عبد الملك بن عمير الليثي قال بينما نحن في المسجد الجامع بالكوفة وأهل الكوفة يومئذ ذوو حال حسنة يخرج الرجل منهم في العشرة والعشرين من مواليه إذ أتانا آت فقال هذا الحجاج ابن يوسف قد قدم أميرا على العراق فإذا به قد دخل المسجد متعمما بعمامة غطى بها أكثر وجهه متقلدا سيفا متنكبا قوسا يؤم المنبر فقام الناس نحوه حتى صعد المنبر فمكث ساعة لا يتكلم فقال الناس بعضهم لبعض قبح الله بني أمية حيث تستعمل مثل هذا على العراق قال عمير بن ضابىء البرجمي ألا أحصبه لكم فقالوا أمهل حتى ننظر فلما رأى عيون الناس إليه حسر اللثام عن فيه ونهض فقال (أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني) ثم قال والله يا أهل الكوفة والعراق إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى وإن أمير المؤمنين نثر كنانته فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بين لأنكم طال ما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال والله لأحزمنكم حزم السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل فإنكم لكأهل * (قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) * والله إني ما أقول إلا وفيت ولا أهم إلا أمضيت ولا أخلق إلا فريت وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم فلم يقل أحد شيئا فقال الحجاج اكفف يا غلام ثم أقبل على الناس فقال يسلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه شيئا هذا أدب ابن نهية أما والله لاؤدبنكم
(٣٣)