قاضي مصر يقول ما رأيت نحويا قط يشبه الفقهاء إلا حيان بن هرمة والمازني يعني أبا عثمان المذكور وكان في غاية الورع ومما رواه المبرد أن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ عليه كتاب سيبوية وبذل له مائة دينار في تدريسه إياه فامتنع أبو عثمان من ذلك قال فقلت له جعلت فداك أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضاقتك فقال إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من كتاب عز وجل ولست أرى أن أمكن منها ذميا غيرة على كتاب الله وحمية له قال فاتفق أن غنت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي (أظلوم إن مصابكم رجلا * أهدى السلام تحية ظلم) فاختلف من كان بالحضرة في إعراب رجلا فمنهم من نصبه وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب فأمر الواثق بإشخاصه قال أبو عثمان فلما مثلت بين يديه قال ممن الرجل قلت من بني مازن قال أي الموازن أمازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قلت من مازن ربيعة فكلمني بكلام قومي وقال باسمك لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما قال فكرهت أن أجيبه على لغة قومي كيلا أواجهه بالمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لما قصدته وأعجب به ثم قال ما تقول في قول الشاعر (أظلوم إن مصابكم رجلا *)
(٢٨٤)