فشكروا فعله وانصرفوا ورجع إلى ما كان عليه وأعظم.
واحتجب عن الناس واستحلت الهياكل والكهنة فأبغضه العامة والخاصة وابتغوا له الغوائل، فاحتال عليه خاصته بطباخه وسقاته فسماه، فمات وهو ابن مائة وعشرين سنة، فكان ملكه خمسا وسبعين سنة.
وصار الملك بعده إلى ابنه صاصا، وأكثر القبط تزعم أن صاصا هذا أخو الشاد وانه ابن مربيس الملك.
ولما جلس صاصا على سرير الملك دخل الناس عليه يهنئونه، فوعدهم العدل فيهم وحسن النظر لهم، وسكن منف ونفى الملهين وأهل المجالات وأهل الشر ومن كان يصحب أباه.
وأصلح الهياكل ورد الكهنة إلى مراتبهم، وعمل بمنف عجائب كثيرة وطلسمات، وأجرى فيها الأنهار، ونصب العقاب الذي كان عمل قبله على موضعه وشرف هيكله ودعى إليه.
وعمل بمنف مرآة يعرف بها زمان الخصب والجدب وما يحدث ببلده، وبنى داخل الواحات مدائن، وغرس فيها نخلا كثيرا، ونصب غرب البحر أعلاما كثيرة، وعمل خلف المقطم صنما يقال له صنم الحيلة، فكان كل من أعجزه امر أتاه يسأله، فيخبره ويبين له ما عزب عن معرفة منه.
وجعل على أطراف مصر أصحابا يرفعون له ما يجري في حدود أرضه، وعمل على غربي النيل منابر إذا قصدهم قاصد يوقد عليها فيصل إليه الخبر من ليله أو من يومه، وجعل على البحر المالح مثل ذلك، ووكل بجمعها جماعة يحرسونها.