في الدين، أنت بحرث الأرض وزجر الثيران أعرف وأبصر منك بنسبة بني هاشم وبذكر (1) فعالهم، فلا تجر في ميادين مضمارهم فيهلك غبارهم فلست منهم. فقال عبد الله بن عباس: حسبتموه أقطا فوجدتموه سمعا ناقعا، يرمي سوادكم بالحق فيبهتكم، وترمونه فلا تنفذ سهامكم، إن بني هاشم صغيرهم ككبيركم، فتزخر بحورهم، وتجمد بحوركم، لهم الرياسة وإليهم السياسة، لهم النبوة، فخروا بها عليكم آخر الأبد. فقال معاوية: إيها أبا العباس: فقد كفاك ابن عمك، فسكت. وقاما فرجعا، فلما مضيا قال ابن عباس له: قد كنت حسبت أن تبقي (2)، فيلحقنا منك عار أن تكون بنو (3) أمية ناطقونا فضعفنا عن جوابهم. وقال معاوية: فكيف [34 أ] وجدتني ورأيتني؟ قال: رأيتك أسدا باسلا، وسما ناقعا، وصاعقة مبيرة، أرسلك الله عليهم. فلما خرجا (4) من عنده، قال لهم معاوية: ما صنعتم شيئا، لقد قال فأفحمكم، ورماكم فلم يخطكم، فما دفعتم ضيما، ولا أدليتم بحجة، يستن عليكم ويبذخ. فقال عمرو: والله ما بذخ علينا إلا مثل الذي بذخ عليك، وما قال فينا إلا مثل الذي قال فيك، عاب أمية وأنت من ذراها، ورفع رجال قومه حتى ألحقهم بالسماء. فقال معاوية: هم أهل بيت أعطوا الفخر واللسان ولا يقام لمفاخرهم.
قال: قدم عبد الله بن عباس على معاوية فقال له: يا ابن عباس! إن لك عندي قدرا لعظيم خطرك وشرفك، مع كريم منزلتك وعظيم حلمك، قد أردت مساءلتك ومناظرتك في أمور أهمتني. قال: ما ذاك، لا يسؤك