عاملان، أحدهما يعمل للدنيا ويكدح لها ويجهد نفسه فيها رجاء ثواب فان زائل، وعامل يعمل لآخرته رجاء ثوابها مخافة عواقب الأمور فيها، فبذل نفسه لله وماله وولده ومناصحته لأوليائه، فهذا ما أصبح عليه سعاة الناس وأولياؤهم، البر منهم والفاجر، والمؤمن منهم والكافر. فاعقلوا عن الله أمره، واتعظوا بمواعظه، وأوفوا بعهده وعقده، وتمسكوا بصالح الذي عاهدتم الله عليه، وأدوا الأمانة فيما عهد إليكم من أوليائه، وخافوا الله أن تعصوه في شئ مما أمركم به واعتصموا بحبل الله جميعا، وخذوا بحظكم منه، واشكروا بلاءه الذي أصبح بكم من سوابغ نعمه، واعتبروا ما بقي بما سلف، وإنما ضرب الله لكم أمثال ما مضى من الأمم لتعقلوا عن الله أمره فإنكم قد رأيتم من الدنيا وتصرفها بأهلها إلى ما صار من مضى منهم، وخير ما يصيب الناس فيما بقي من الدنيا ما أصاب الصالحون منها، ومن يقس شأن الدنيا بشأن الآخرة يجد بينهما فوتا بعيدا. ثم اعلموا علما يقينا أن لأهل ولاية الله منازل معروفة كأنما ينظرون فيما أعطاهم الله من اليقين إلى عواقب الأمور ومستقرها، فعليكم بمحاب الله وصدق الحديث ووفاء (1) بالعهد [99 ب] وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وبذل السلام، وطيب الكلام، وحسن العمل، وقصر الامل، وترك الحرام، وأخذ الحلال، وعرفان الحق، وإنكار الباطل، ولزوم الايمان، والتفقه (2) في القرآن واتباع التقوى وفراق الهوى، واجتناب قرناء السوء، وحذار الدنيا، وحب الآخرة، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والفرار من العذاب ومن سوء الحساب، وكظم الغيظ، ولين الجانب، وفعل المعروف، وذكر النعم، واجتناب السيئات، والرغبة في الحسنات، فإن من محاب الله وطاعته
(٢١٠)