العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٣٨
ثم صنيع [الزبير (1)] في سله السيف شادا به مستقبل المشركين، يريد خبط من لقيه منهم. فتلقاه النبي صلى الله عليه مقبلا فقال: مالك يا زبير؟! قال: بأبي أنت وأمي، سمعت قائلا يقول: قد أخذ محمد وأوذى! فكان أول من شهر سيفا في الاسلام.
ثم صنيع سعد (2) وضربه عظيما من عظمائهم على أم رأسه بلحى بعير، فكان أول من أراق دما في الاسلام. وهو الذي يقول لرسل على حين أتوه يدعونه إلى بيعته: ثكلتني أمي، لئن كنت مع رسول الله صلى الله عليه سادس ستة (3) ما لنا طعام إلا ورق البشام. ثم جاءني أعراب الأوس تعلمني دين الله؟!.
وإنما ذكرت لك هذا لتعلم أقدار القوم والذي لقوا من الجهد والخوف والذل والتطراد والضرب. ولم نسمع لعلى في جميع ذلك ذكرا.
ولم يكن ذلك المكروه سنة ولا سنتين، ولكن ثلاث عشرة سنة، وهذا أمر لا يلحق ولا يدرك الفائت منه. كما قال الله: " لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى (4) ".

(١) تكملة يقتضيها السياق. وانظر الإصابة ٢٧٨٣.
(٢) هو سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المبشرين بالجنة وآخرهم موتا، وأحد الستة أهل الشورى. الإصابة ٣١٨٧. وفيها: " فبينا سعد في شعب من شعاب مكة في نفر من الصحابة إذ ظهر عليهم المشركون فنافروهم وعابوا عليهم دينهم حتى قاتلوهم. فضرب سعد رجلا من المشركين بلحى جمل فشجه ". وذكر في السيرة ١٦٦ أنهم كانوا يصلون حينئذ.
(٣) في الإصابة: وقع في صحيح البخاري عنه أنه قال: " لقد مكثت سبعة أيام وإني لثالث الاسلام " وانظر فتح الباري ٧: ٦٦ - 67.
(4) الآية 10 من سورة الحديد.
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»