العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٣
ولو كان أيضا على أسلم بالغا مدركا، وكان مع إدراكه وبلوغه كهلا، وكان مع كهولته مقتضبا كان إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه، لان من أسلم وهو يعلم أن له ظهرا كأبى طالب، وردءا كبنى هاشم، وموضعا في بنى عبد المطلب، ليس كالحليف ولا المولى، والنزيل والتابع والعسيف، وكالرجل من عرض قريش (1) وقاطني مكة. [أ] وما علمت أن قريشا خاصة وأهل مكة عامة لم يقدروا على أذى النبي صلى الله عليه ما كان أبو طالب حيا قائما؟! ولقد منع أبو طالب أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لأنه كان ابن أخته، فما قدرت بنو مخزوم مع خيلائها (2) وعرام شبابها، ومع عزها وشدة عداوتها أن تحص منه شعرة (3) ولا تسمعه كلمة حتى مشت إليه بأجمعها، للذي (4) ترى له في أنفسها، فكان من قولهم له: هذا ابن أخيك قد فرق جماعتنا وسفه أحلامنا وشتم آلهتنا وقد منعته منا، فما بال صاحبنا (5)؟ قال: من لم يمنع ابن أخته لم يمنع ابن أخيه!
فإذا كانت قريش وأهل مكة لا يقدرون على ابن أخيه وابن أخته معه فهم عن ابنه أعجز، وعنه أقعد، وله أعفى (6)، وهو لابنه أحضر نصرا وأشد غضبا، وأحمى أنفا، وليس الممنوع كالمخذول، ولا الضعيف

(1) من عرضهم. أي من معظمهم وجمهورهم، ليس في موضع رآسة.
(2) الخيلاء: الكبر. وبنو مخزوم معروفون بالكبر والتيه. انظر الحيوان 6: 70، 72. وفى الأصل: " حيلاتها "؟؟ بإهمال الحرفين الأولين.
(3) حص الشعر: أذهبه أو حلقه.
(4) في الأصل: " الذي ".
(5) في الأصل: " ها بال صاحبنا " وفى السيرة 244: " فما لك ولصاحبنا تمنعه منا ".
(6) رسمها في الأصل " اعفا ".
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»