العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٢
أو تسع، فقد قال إن إسلامه كان إسلام تلقين وإن لم يذكره ولم يتفوه به كما قلتم، حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل. فإذا ثبت أن إسلام على إسلام تلقين في ذلك الدهر فإسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه. ولو أن عليا كان أيضا بالغا كان إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه، لان إسلام المقتضب (1) الذي لم يغذ به (2) ولم يعوده ولم يمرن عليه، أفضل من إسلام الناشئ الذي قد ربى فيه ونشأ عليه وحبب إليه، لان خبابا وزيدا يعانيان من الفكر ويتخلصان إلى أمور، وصاحب التربية يبلغ حين يبلغ وقد أسقط إلفه عنه مؤونة الروية، والخطار بالجهالة، وقد أورثه الألف السكون، وكفاه اختلاج الشك (3)، واضطراب النفس وجولان القلب.
فصل: (* ولو كان على أيضا بالغا وكان مقتضبا (4) كزيد وخباب لم يكن إسلامه ليبلغ قدر إسلامهما، لان إسلام التربية يكفي مؤونتين:
إحداهما الخطار والتغرير، والاخرى شدة فراق الألف ومكابدة العادة، ونزاع الطبيعة، مع أن من كان بحضرة الاعلام وفى منزل الوحي، وفى رحال الرسل فالاعلام له أشد انكشافا، والخواطر على قلبه أقل اعتلاجا. وعلى قدر الكلفة في دفع الشبهة والاقرار بخلاف الألف والعادة، والمخاطرة باعتقاد الجهالة، يعظم الفضل، ويكثر الاجر *).

(1) المقتضب: غير المتهئ المعد للشئ.
(2) لم ينقط من هاتين الكلمتين في الأصل إلا الغين فقط.
(3) الاختلاج: الاضطراب. وفى الأصل: " الخلاج الشك " وفى ح " علاج القلب ".
(4) انظر ما مضى في الحاشية الأولى.
*) الكلام من " ولو كان على " إلى هنا موضع مناقضة للإسكافي ستأتي برقم (4).
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»