العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٠٦
فلما وجدنا الامر كما ذكرنا، علمنا أن النبي صلى الله عليه لم يصيره مستحقا لأعظم الرياسات وأشرف المقامات إلا بالعمل، إذ كنا قد وجدنا من يساويه في الهاشمية لا يستحق مثل ماله.
وزعمت (العثمانية) أن لها في التسوية بين القريب والبعيد حججا كثيرة، قد عرفتها وسمعتها من أهلها.
ولكن كتابي هذا لم يوضع إلا في الإمامة، ولربما ذكرت من المقالة والملة (1) والنحلة التي تعرض في الإمامة صدرا، طلبا للتمام، وتعريفا لوجوه الإمامة وما دخل فيها.
والكلام في التسوية كلام يدخل في باب التعديل والتجوير، وهو باب يشتد الكلام فيه ويغمض، فإن أخبرنا عن فرعه ولم نخبر عن أصله لم ينتفع القارئ به، وصار وبالا عليه.
وقد زعم ناس من (العثمانية) أن الله بفضله ومنه كفى أكثر الناس مؤونة الروية، وتكلف غامض الكلام في التسوية، فأخبرهم في كتابه بأبين الكلام وأوضحه عن معاني التسوية، وما يجوز في عدله وحكمته. فقال وهو يريد أن يعلم الناس أنهم لا ينتفعون بصلاح آبائهم، ولا يضرهم فساد رهطهم فقال: " وإبراهيم الذي وفى.
ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للانسان إلا ما سعى (2) ".
فإذا كان كون الانسان ابن نبي وابن خليفة نبي، أو ابن عم نبي ليس من سعيه، فقد أخبر أنه لا شئ له في ذلك حين قال:

(1) في الأصل: " والعلة ".
(2) الآيات 37 - 39 من سورة النجم.
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»