ولو أن الأنصار كانوا قد سلموا للمهاجرين في البدء فلم يفارقوا ولم يتمادوا، وكانوا كالمهاجرين في إطباقهم على أن الامام منهم ما كان ليظهر للناس من شهامة أبى بكر وصرامته واجتماع نفسه وقوة منته، وجلد رأيه، وقلة حيرته وتضجعه (1) مثل الذي ظهر لهم. وإنما يعرف العاقل فضل العاقل في مضايق الأمور، وساعة الجولة، والعجلة والحيرة، وظهور الفتنة، وموجان السفلة، واضطراب العلية (2) واختلاط الخاصة بالعامة.
فهل أعضل به داء فلم يسد ثغره (3)، أم هل نجم بلاء فلم يتول قمعه؟!
وزعمت (العثمانية) أن أحدا لا ينال الرياسة في الدين بغير الدين.
ولو جاز أن يعطى الله رجلا عطية ويفضله على غيره لنسبه، وعملهما سواء في دار الدنيا، جاز أن يفضله عليه في الآخرة.
وليس ذلك كالمعافى والمبتلى، لان العافية والبلاء، والشكر والصبر، والثواب على الطاعة بهما والعقاب على المعصية فيهما، إذا وازنت بين عواجل أمورهما وأواجلها من كل وجوهها، رأيتهما سواء لا فضل بينهما.
وكذلك شأن المملوك والمالك، والفقير والغنى، والمبتلى والمعافى.
فإن كان القريب القرابة والبعيد القرابة سبيلهما في النقص والفضل، والصبر والشكر، والثواب والعقاب، وجميع حلاتهما في العاجل والآجل، كالمعافى والمبتلى، والمالك والمملوك. والفقير والغنى، فليس بين القريب