العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢١١
ففي هذا دليل أن الرياسة في الدين لا تنال بغير الدين.
وقال الله: " ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون (1) " ألا ترى أن الذرية وإن كانت كلها ذرية ومكانها من القرابة سواء، فمنها ولى ومنها عدو.
فإن تركوا هذا جانبا وقالوا: كيف تزعمون أن أبا بكر كان يرى التسوية، وكان لا يرى أن الفروسية أصل للامامة، والقرابة شعبة عن الخلافة. ولم يكن في الأرض رجل أبعد من هذا المذهب من خاصته وخليفته وصنيعته. والمحتذى على مثاله، عمر بن الخطاب، لأنه فضل القرشيات من نساء النبي صلى الله عليه على غيرهن، وفضل العرب في العطاء على الموالى. وقال: " زوجوا الأكفاء " وكان أشد منه في أمر المناكح.
قيل لهم: إنه لم يكن على ظهر الأرض رجل كان أبعد مما قلتم من عمر، ولا [ظهر] منه - خلاف ما ادعيتم - مثل الذي ظهر منه.
والدليل على غلطكم وخطأ قولكم، أن عمر لما فرض الأعطية ودون الدواوين وقام إليه أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، فقالا:
يا أمير المؤمنين، أديوان كديوان بنى الأصفر (2)، إنك إن فعلت ذلك اتكل الناس على الديوان وتركوا التجارات والمعاش! فقال عمر:
قد كثر الفئ والمسلمون.
ففرض للمهاجرين ومواليهم، وللانصار ومواليهم، ممن شهد بدرا

(1) الآية 26 من سورة الحديد.
(2) بنو الأصفر هم الروم. انظر ابن خلكان في ترجمة ياقوت بن عبد الله الرومي 2: 209.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»