العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٠١
قلنا لهم: إن أبا بكر لم يقل هذا القول وهو يريد معنى مذهبكم فيه، مع أنكم قد قطعتم الكلام، لأنه قال: " فإنه لم يكن فينا فكان يوبخ (1) به وإنا نحن المهاجرون وأنتم الأنصار، وإن الله لم يذكرنا وإياكم في شئ من القرآن إلا بدأ بذكرنا قبلكم، فمنا الامراء ومنكم الوزراء ".
فلم يقل أبو بكر: " قد علمتم يا معشر قريش أنا أكرم العرب أحسابا، وأيقنها أنسابا، وأنا عترة النبي وأصله "، وهو يريد أن يخبر أن الرياسة في الدين تستحق لغير الدين، والخلافة أعظم رياسات الدين، فعلى حسب ذلك تحتاج إلى العمل الصالح.
ولكن أبا بكر خطب على قوم كانوا يرون للحسب قدرا، وللقرابة سببا، فأتاهم من مأتاهم (2) وأخذهم من أقرب مآخذهم، واحتج عليهم بالذي هو عندهم، ليكون أقطع للشغب، وأسرع للقبول. وليس في كل المواضع تفسير لحجة أمثل من إظهار الجملة، وتعريف الناس الغاية، وحملهم على أدق الحجج وأصوبها. ولربما أخفى الامام (3) كثيرا مما يريد بالناس عنهم، للذي... من بعضهم عن فضله، وضيق صدورهم عن سعة فضله، بل يعلم أنه لو أطلعهم طلع إرادته (4)، والذي عزم عليه من صلاحهم، كانوا أسرع إلى طلب بغضه من عدوهم.

(1) كذا في الأصل.
(2) في الأصل: " من أتاهم ".
(3) في الأصل: " الاهتمام ".
(4) في اللسان: " وفى حديث ابن ذي يزن، قال لعبد المطلب: أطلعتك طلعه.
أي أعلمتكه، الطلع، بالكسر: اسم من اطلع على الشئ. إذا علمه ".
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»