العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٠٢
وقد دل أبو بكر على مذهبه في الأحساب في أول خطبة خطبها على المهاجرين والأنصار. حين قال في كلامه:
" وعليكم بتقوى الله، فإن أكيس الكيس التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وإني متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وأن زغت فقوموني، أيها الناس إنه لم يدع الجهاد قوم قط إلا ضربهم الله بذل، ولم تشع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم بالبلاء، أيها الناس اتبعوا كتاب الله، واقبلوا النصيحة، فإن الله يقبل التوبة، ويعفو عن السيئة، واحذروا الخطايا التي لكل بني آدم منها نصيب، ولكن خيرهم من اتقى الله، واتقوا يوما لا ينفع فيه حميم ولا شفيع يطاع ".
ألا تراه ذكر جميع بني آدم ثم قال: ولكن خيرهم أتقاهم كما قال الله:
" إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ثم قال: " اتقوا يوما لا ينفع فيه حميم ولا شفيع، فقد أخبر عن نفسه ومذهبه في ذلك المقام بغاية ما يتكلم به أصحاب التسوية. فكأن أبا بكر إنما قال: فإن كان هذا الامر معشر الأنصار إنما يستحق بالحسب، ويستوجب بالقرابة فقريش أكرم منكم حسبا، وأقرب منكم قرابة، وإن كان إنما يستحق بالفضل في الدين فالسابقون الأولون من المهاجرين المقدمون عليكم في جميع القرآن أولى به منكم. لان أبا بكر ذكر في صدر كلامه الحسب والقرابة، وفى عجزه فضل المهاجرين على الأنصار. فلما أبصر القوم وجه الحجة، وقررهم بما لم يزل عليه قبل ذلك طبائعهم، لحقوا بالطاعة وأعطوا المقادة.
وكيف يكون كبار الأنصار أفضل من كبار المهاجرين، وقد سبقهم المهاجرون وأسلموا قبلهم بالسنين قبل السنين، والأنصار بعد على دين
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»