وهذه مكرمة وعطية، ولا يجوز أن يحبو بها خالق العباد إلا نبيا أو خليفة نبي.
فأما قوله: " ما كانت بيعتي إلا فلتة وقى الله شرها "، فقول امرئ عالم بالعواقب، عالم بأسباب الفتن، شديد الشفقة منها، حامد لربه على السلامة منها.
أو ما علمت أن أبا بكر بينا هو يخطب على المهاجرين في مسجد النبي صلى الله عليه، والنبي مسجى، وهو يحتج عليهم ويعرفهم سرفهم، واعتداءهم في قولهم: إن النبي صلى الله عليه لم يمت. وقد خاف أن يصير بهم الافراط في التعظيم، والغلو في الحب، أن يضارعوا مذهب النصارى وخاف أن يكون آخر أمرهم أشد من أوله. وكان أشد الأمور عليه في ذلك أن مثل عمر، وعبد الرحمن، وعثمان، هم الذين كانوا خرجوا إلى ما لا ينبغي من القول، فبدرهم بالخطبة محتجا عليهم ومعرفا لهم مواضع غلطهم، ونحس إفراطهم، فحين تبين لهم خطؤهم وسلموا لاحتجاجه عليهم، أتاه آت فقال: إن الأنصار قد اجتمعت إلى سعد بن عبادة في سقيفة بنى ساعدة، يقولون: منا أمير ومنكم أمير، فراعه ذلك، وصور له الحزم كل مخوف، فعلم أن الداء الذي عنه نطقوا أشد علاجا من الداء الذي نطق عنه عمر وعثمان وعبد الرحمن، والنفر من المهاجرين الذين قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله لم يمت، وعلم أن إبراء كل سقم أهون من إبراء سقم الحمية والطمع في الملك، ولا سيما إذا شابهما سوء تأويل، وضافرهما الحس بالقوة. وهذا لهو الداء العضال (1) والداهية العقام.