العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٩٨
والطعام، ولكان غير مأمون أن ينضم إليهم من حول المدينة من المرتدين، ممن بدل إسلامه ساعة بلغته وفاة النبي صلى الله عليه.
ولو صاروا إلى ذلك لكانوا أقوى من المهاجرين والأنصار، إذ كانوا جميعا نشرا (1) وقلوبهم شتى، وبأسهم بينهم. ولكان غير مأمون عند ذلك أن يغزوهم مسيلمة في أهل اليمامة قاطبة مع من حولها من أهل البادية. ثم كان غير مأمون أن يستمد بجميع أهل الردة ممن نكث (2) ونصب العداوة.
وجميع ما قلنا إنه كان غير مأمون، لم نقله إلا بأسباب قد كانت هناك قائمة معروفة، فما عسى نقمه (3) المهاجرون والأنصار على ما وصفنا ونزلنا.
فقد صدق أبو بكر وصدق عمر أن تلك البيعة كانت فلتة وأعجوبة وغريبة.
إذ سلمت على كل ما وصفنا من أسباب الهلكة، وهى سربخ (4)، وليس دونها ستر ولا رد (5). فكانت بيعته يمنا وبركة أنقذ الله بها من الهلكة، وجمع بها من الشتات، ورد بها الاسلام في نصابه، بعد تخلعه واضطرابه. فأماتت السخيمة، وأودعت القلوب السلامة، وجمعتها على الألفة.

(1) النشر: المتفرقون. وفى حديث عائشة: " فرد نشر الاسلام على غره " أي رد ما انتشر من الاسلام إلى حالته.
(2) في الأصل: " لئن بكت ".
(3) كذا في الأصل.
(4) السربخ: الأرض الواسعة البعيدة الارجاء. في الأصل: " سوغ ".
(5) الرد، بالكسر: ما يرد الشئ. أنشد في اللسان:
* فكن له من البلايا ردا * أي معقلا يرد عنه البلاء.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»