العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٩٦
وضعف حزمه، وسعة علمه وكثرة فضله، وقد أصابه من الخلاف والتعذر وانتشار الامر، واضطراب الحبل، وظفر الأعداء وشماتة الحساد، ما قد رأيتم، ثم قد جئتم تشبثون بطعن سلمان، وقول أبي سفيان، وقعود خالد، كأنكم لم تعرفوا ما عند خصومكم، غرارة ونقصا.
وأعجب من هذا أنكم مرة تزعمون أن الذي حمل بنى أمية على صرف الإمامة عن علي الضغن الذي في نفوسها، والاحقاد التي في صدورها، لقتل على أبناءها وإخوتها وأعمامها. ومرة تعتلون وتحتجون في نقض إمامة أبى بكر بطعن عظيمي بنى أمية في إمامته كعلى، كخالد بن سعيد، وأبى سفيان بن حرب. وإذا شئتم كانا لكم، وإذا شئتم كانا عليكم.
وأما ما ذكرتم من قول أبى بكر: " ما كانت بيعتي إلا فلتة ".
وقول عمر: " ما كانت بيعة أبى بكر إلا فلتة وقى الله شرها " فإن الامر على هذا واضح. والحجة فيه قائمة.
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفى كان الناس على طبقات:
من رجل مؤمن عالم، ناصح لله ورسوله.
ومن رجل مطاع ليس له علم بالإمامة، وما السبب الذي به تنعقد من السبب الذي به تنحل.
ومن رجل مكانه في قريش أشرف من مكان أبى بكر، وليست غايته صلاح المسلمين، إنما غايته أن يكون الامام من أقرب القبائل إليه، ليزداد هو وقومه بذلك شرفا وفخرا.
ومن رجل له قرابة فهو يرى أنها تغنيه عن العلم والعمل.
ومن رجل شديد في بأسه، ضعيف في دينه، مخف في ذات يده
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»