وما ذلك بأعجب من اجتماع الأنصار وقوله للمهاجرين الأولين:
" منا أمير ومنكم أمير!
والدار دارهم. والمهاجرون ضيفانهم ونزول فيهم. وهم أول الناس والعدد والصلاح والرأي، فكانوا مجلبين (1) جادين مجدين، فما هو إلا أن هجم عليه الصديق وقام فيهم مرشدا ومحتجا [حتى] استبدلوا بالخلاف طاعة، وبالضجة إطراقا، بالانفة خضوعا، وبالطيش حلما، وأنصتوا معا واستمعوا معا.
وكأن السائل إنما أراد تعريفنا أنه كان من خالد خلاف. فقد كان ذلك ثم رجع إلى نفسه وعرف موضع خطئه، غير مرغوب ولا مرهوب.
وإن كان إنما أراد أن يجعل هذا وشبهه حجة في إمامة على فليس لعلى رحمة الله عليه في ذلك من الحجة على إمامته قليل ولا كثير، إذ لم يذكروه في شئ من أمورهم. لا في يسير أمرهم ولا عسيره.
ولو ذكروه ما كان لذكرهم دليل على أنه أولى بالإمامة من أبى بكر، مهما عددنا عليك من خصاله التي لا يفي بها على ولا غيره.
وإنما كان يكون هذا الادخال حجة لو قلنا: إن أحدا لم يخالف أبا بكر.
ورضى الجميع وسكونهم وصوابهم (2) لم (3) يكن ليتهيأ أبدا، حتى لا ينطق أحد بحرف واحد لا جاهل ولا عالم، ولا عصى ولا حاسد.
وكيف يتفق إطباقهم على سكون واحد والناس من بين حاسد وراض.
وعصى وتقى، وحليم وسخيف، وغالط ومصيب، وعاقل وأحمق؟!