العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٣٥
فضلا عن دفع الشاذ وإن كان ناقله عدلا في ظاهره، فإذا كان ناقله ذلك كذلك فأولى الأمور بكم وبهم الصدق، وليس كل من أراد الصدق في مثل هذا قدر عليه إلا بالتقدم في كثرة السماع وانساع الرواية.
وليس لاحد، وإن حسن عقله وصح فكره، أن يقول فيما لا يضاف علمه إلا من طريق الخبر حتى يكون صاحب خبر، وطالب أثر، فإذا صح عقله وكثر سماعه، خفت (1) مؤونته على نفسه وعلى خصمه.
أو ما علمتم أن خصومكم وهم أكثر منكم عددا، وأكثر فقيها ومحدثا، يروون أن النبي صلى الله عليه قال: " ليس أحد أمن علينا بصحبته وذات يده من أبى بكر، ولو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، لكن ودا وإخاء إيمان (2) ". فإن كان هذا الحديث كما نقلوا لم يجز أن يكون النبي صلى الله عليه أخا أحد إلا أن يكون الأخ غير الخليل، ولا نعلم الخليل إلا أخص منزلة وأقرب مودة.
مع أن قوله " ولكن " دليل على أنه قد كان أخاه.
وأعجب من هذا يروون أن النبي صلى الله عليه قال في شكاته وقبيل وفاته " إنه لم يكن نبي قبلي فيموت حتى يتخذ من أمته خليلا، وإن خليلي منكم ابن أبي قحافة (3) ".
ويروون أن النبي صلى الله عليه قال: " اقتدوا بالذين من بعدي:
أبى بكر وعمر ".

(١) في الأصل: " وخفت ".
(٢) في الأصل: " وذا واخا اتيان " صوابه من الرياض النضرة ١: ٨٥، وانظر فتح الباري ٧: ١٥.
(3) الرياض النضرة 1: 84.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»