العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٦٣
اتفق رأى الجميع في المغيب على النصرة. وليس ينتفع باتفاق أهوائهم ما لم يتشاعروا (1).
فإن قالوا: إن كان الامر كما تصفون وجب ألا يقيموا إماما أبدا، لانهم كما لا ينفكون من التقية، كذلك لا ينفكون من التخاذل.
قلنا: ليس الامر كما تقولون، لان تقية بعض الخاصة لبعض قد تزول بأسباب كثيرة: منها أن تسوء سيرة المتسلط الباغي فيهم ويفحش جوره، ويكثر تعضيله (2) واستئثاره وقهره، حتى يكون ذلك إحراجا لهم وسببا للكلام والشكاية والتلاقي، لانهم قد عموا بالاحراج معا ليكون كل واحد من المحرجين يتكل على رأى صاحبه. لعلمه بالذي لقى من المكروه الذي هو فيه، من ثوران النفس وتهييج الطبيعة، فلا يزال بهم ذلك حتى يتفقوا في الظاهر كاتفاقهم في الباطن، إذ كان الاحراج قد شملهم وعمهم. وبلغ أقصاهم بعد أدناهم. وعند التلاقي تزداد النفوس حمية وغضبا وبصيرة. فإذا تباثوا وتكاشفوا وشاع ذلك من شأنهم، وشهر من أمرهم، علموا أن ذلك قد ظهر لعدوهم، والمتسلط عليهم. فإذا علموا ذلك علموا أنهم قد لحجوا في الحرب، ونشبوا في المناصبة. فإذا علموا ذلك لم يجدوا بدا من بذل المال.
وإعطاء الجهد. وإنما هي أسباب ترامى، وعلل تداعى، وأمور تهيج أمورا، وأسباب توجب أفعالا، فعند ذلك تمكن الشدة، ويجب الفرض.

(1) في أساس البلاغة مادة (شعر): " وتقول: بينهما معاشرة ومشاعرة ".
(2) التعضيل: أن يضيق عليه ويحول بينه وبين ما يريد. وفى الأصل " تعطيله " تحريف.
(3) في الأصل: " إخراجا لهم ".
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»