فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٥٤
قد بنوا في برية الحميم وكان المقدم عليهم قربانس فقال لهم اني قد قرأت كثيرا من الكتب التي أنزلت على الأنبياء من الله وقرأت صحف موسى ورأيت أن الله يبعث نبيا قوله حق ودينه صدق واخلاقه طاهرة وشريعته ظاهرة وقد بشر به المسيح فما تقولون فيه فقال قربانس الحكيم ان الذي قرأته هو الصحيح قال فثم من يخالف ذلك قالوا نعم قال الحكيم أريد أن أصنع تمثالا من الحكمة ونجعله بيتا للعبادة ونجعل على هيكلها تماثيل يكون وجوهها مما يلي التمثال بأعلى قصرك فإذا جاء وقت مبعث هذا النبي يحول كل تمثال وجهه عن صاحبه وأما الذي يجعل على الكنيسة فإنه عند مبعث النبي العربي يقع على وجهه ويكون موضع عبادة القوم وإقامة شرعهم قال فأخذوا في عمل الحكمة وأقاموا التماثيل على ما ذكرنا فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حول كل شخص وجهه عن صاحبه وسقط الذي كان على سطح الكنيسة وهو الجامع اليوم وأما التمثال العالي فبقي على حاله بأعلى القصر فلما دخل عمرو بجواده سمعوا من التمثال صوتا عظيما ثم إنه سقط على وجهه فارتاع له الملك وأرباب دولته وصكوا وجوههم ودخل الرعب في قلوبهم وقالوا بلسانهم ما وقع هذا التماثل إلا عند دخول هذا العربي وما جرى هذا الا لأمر عظيم ولا شك أنه هو الذي يقلع دولتنا ويأخذ ملكنا فامروا عمرا أن ينزل عن جواده فنزل وترجل وجلس حيث انتهى به المجلس وأمسك عنان جواده بيده ويده اليسرى على مقبض سيفه ونظر إلى زينتهم وزخرفة قصرهم فقرأ * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين) * ثم قال اعلموا أن الدينا دار زوال وفناء والآخرة هي دار البقاء أما سمعتم ما كان من نبيكم عيسى وزهده وورعه كان لباسه الشعر ووساده الحجر وسراجه القمر وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم ان الله أوحى إلى عيسى أن نح على نفسك في الفلوات وعاتبها في الفلوات وسارع إلى الصلوات واستعمل الحسنات وتجنب السيئات وابك على نفسك بكاء من ودع الأهل والأولاد وأصبح وحيدا في البلاد وكن يقظان إذا نامت العيون خوفا من الامر الذي لا بد أن يكون فإذا كان روح الله وكلمته خوف بهذا التخويف فكيف يكون المكلف الضعيف وأول من تكلم في المهد قال إني عبد الله فإذا كان أقر لله بالعبودية فلم تنسبون اليه الربوبية تعالى الله ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ولا أشرك في حكمه أحدا جل عن الصاحبة والأولاد والشركاء والأضداد لا صاحبه له ولا ولد ولا شريك له ولا وزير
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»