فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٥٢
عليك فأراد أن يعلمهم أن أمة محمد أفضل منهم فأنزل الله * (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) * فقال المقوقس لقيس بن سعد يا أخا العرب ارجع إلى أصحابك وأخبرهم بما سمعت وبما رايت وانظر فيما يستقر عندكم وبينكم فقال قيس أيها الملك لا بد لنا منكم ولا ينجيكم منا الا الاسلام أو أداء الجزية أو القتال فقال المقوقس أنا اعرض ذلك عليهم واعلم أنهم لا يجيبون لان قلوبهم قاسية من أكل الحرام حدثنا ابن إسحاق رضي الله عنه حدثنا عبد الله بن سهل عن عدى بن حاطب عن أبا سليمان ابن يحيى قال إن الملك المقوقس كان من عادته أنه في شهر رمضان لا يخرج إلى رعيته ولا يظهر لأحد من أرباب دولته ولا أحد منهم يعلم ما كان يصنع وكانت مخاطبته لقيس بن سعد في أواخر شعبان سنة عشرين من الهجرة فخرج قيس من عنده ومضى إلى عمرو بن العاص وحدثه بما كان منه قال ابن إسحاق وكان ولي عهد الملك ولده اسطوليس وكان جبارا عنيدا وانه لما سمع ما تحدث به أبوه رأى ميله إلى الاسلام وعلم أنه لا يقاتلهم وربما أسلم وسلم إليهم ملكه صبر إلى أن دخل أبوه إلى خلوته التي اعتاد أن يدخلها ويختلي فيها كل سنة فجمع أرباب الدولة في الخفية لئلا يدري به أحد فيعلم أباه وقال لهم اعلموا أنكم قد ملكتم هذا الملك وان أبي يريد أن يسلمه إلى العرب لأنني فهمت من كلامه ذلك فقالوا أيها الملك أنت تعلم أن هذا الامر مرجعه إليك وأنت ولي عهده فاعمل أمرا يعود صلاحه عليك وعلينا قال فطلب صاحب شراب أبيه وأعطاه ألف دينار ووعده بكل جميل وأعطاه سما وقال له ضعه في شرابه قال ففعل الساقي ما أمر به وسقي الملك فمات فأتى الساقي إلى أرسطوليس وأعلمه ان أباه قد مات فذهب اليه ودفنه في الخفية وقتل الساقي وجلس على سرير الملك كأنه نائب عن أبيه إذا غاب كعادته في كل عام ولم يعلم أحد بموته هذا ما كان منه وأما عمرو بن العاص فإنه ارتحل من بلبيس ونزل على قليوب وبعث إلى أهل البلاد والقرى وطيب خواطرهم وقال لهم لا يرحل أحد من بلده ونحن نقنع بما توصلونه الينا من الطعام والعلوفة فأجابوا إلى ذلك وارتحل من قليوب ونزل على بحر الحصى فارتجت بنزولهم إليها ووقع التشويش فيهم وعلا الضجيج وأغلقوا الدروب والدكاكين ووقف أهل كل درب على دربهم بالسلاح ليحموا حريمهم قال وأما عمرو بن العاص فإنه أمر أهل اليمن ومن معه من العربان أن يحدقوا بالبلد وأن أهل البلاد أقبلت إليهم بالعلوفة والطعام والخيرات وهم يردون عليهم من كل فج ثم إن عمرو أراد أن يرسل إلى صاحب مصر رسولا وكان عنده غلام له
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»