هذا الزمن وخزن ما يحتاج اليه واستدعى بكبار قومه ومن يثق به واتفق رأيهم على قتل المسلمين والغدر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبروا إلى أن مضى جزء من الليل وهجم على المسلمين على حين غفلة في ألف بطريق وأوثقهم كتافا وجعل في أفواههم الاكر وفتح الأبواب وأدخلهم المدينة وهجم على المسلمين ووضع السيف فيهم وهم رقود فما انتبهوا الا والسيف يقطع في نحورهم وكانت وقعة عظيمة وثار خالد بمن معه وكان الزبير راقدا فسمع الصياح فقال دهينا ورب الكعبة ثم ركب وركبت معه زوجته وقاتلت النساء قتالا شديدا وعدو الله تارة يكر ميمنة وتارة يكر ميسرة والسيف يعمل والرجال تقتل وكانت ليلة شديدة وصار خالد يقول يا قوم أما قلت لكم فما سمعتم لخالد والتجأ زياد بن أبي سفيان وأخوه هبار وميسرة ابن مسروق وفضالة بن عبد شمس وعقيب بن يعقوب وعبادة بن تميم وجندبة الكلبي إلى تل هناك وأحاط بهم طائفة من الروم من كل مكان فقاتلوا قتالا شديدا وانحدر زياد رضي الله عنه من التل وتبعه أصحابه فأحدقت بهم الروم وداروا بهم دوران السور بالمعصم وقتلوا زيادا وجميع من ذكرنا من الامراء وقاتلت نسيبة الأنصارية أم أبان وأسماء ابنة أبي بكر ونعمانة ابنة المنذر ونظائرهن في تلك الليلة قتالا شديدا وقتل جماعة من المسلمين وأتى خالد وحمل عليهم وجعل يقلب الميمنة على الميسرة والميسرة على الميمنة قال وأطبق عليهم هو وجميع الامراء فهزموهم إلى الأبواب وقد قتلوا منهم مقتلة عظيمة وهرب عدو الله وتحصن هو وقومه وغلقوا الأبواب ولما أصبح أمر بالحصار وأمر باحضار المأسورين وصعد بهم إلى أعلى البرج وضرب رقابهم فشق ذلك على المسلمين وصعب عليهم ما فعل عدو الله بأصحابهم وأتى خالد رضي الله عنه ومعه بقية الامراء إلى مكان المعركة فوجدوا الشهداء مطروحين ووجدوا زيادا رضي الله عنه وفيه عشرون طعنة بالرمح وأربعون ضربة بالسيف والى جانبه أخوه هبار وفي رأسه عشرون ضربة بالسيف وواحدة في فخذه قطعته فبكى خالد عليهم بكاء شديدا وبكى عليهم سائر الامراء وابطال المسلمين ونعاهم الأمير خالد بهذه الأبيات وهي له خصوصا * هوام دموعي كالسحائب تهمع * وقلبي من فقد الأحبة يفزع * وأظلمت الدنيا على نور عبرتي * وكاد فؤادي بالجوى يتقطع * لفقد زياد أحرق ألبين مهجتي * وغاب صوابي وهو في الأرض يصرع * لقد كان في بحر المعامع صائلا * يزلزل أركان العدا ويضعضع * وقد كان مقدام الفوارس كلها * بكل مكان للأعادي مقمع * لحى الله يوما فيه حانت وفاته * وأجفانه مع أسهم الدمع تدمع *
(٣٠٠)