قال الواقدي هذا ما جرى لهؤلاء وأما عدو الله البطليوس فإنه حمل هما وحصل له مالا ينبغي شرحه وأمر بجمع البطارقة فلما اجتمعوا شكا لهم أمر العرب وما لقوا من الحرب وقال فما الرأي عندكم فقالوا كلنا بين يديك فإذا أمرتنا بالقتال قاتلنا على سور بلدنا قال سأدبر لكم أمرا وهو تدبير من خاض الحروب وعرفها ثم أمر باجتماع الناس خاصتهم وعامتهم فاجتمعوا اليه الا من بقي على الأبواب خوفا من المسلمين فلما تكاملوا واجتمعوا قال أني عزمت أن أهجم على القوم في هذه الليلة وأكبسهم في أماكنهم والليل مدلهم وأنتم أعرف بمسالك البلد من غيركم فلا يبقى منكم أحد ويتأهب ويخرج معي من بابه ونكبس القوم وأخرج أنا بنفسي ومن معي من باب توما وأرجو وصولي إلى مسرتي والا أموت بحسرتي وأبيدهم أولا بأول لعلي أن أصل إلى أميرهم فآخذه أسيرا وأبلغ مقصدي قالوا حبا وكرامة ثم بعث فرقة إلى باب الجبل وفرقة إلى باب قندوس وفرقة إلى الباب الشرقي وانتدب معه سادات قومه ومن عرف بالشجاعة وأخذهم معه ثم أقبل على القوم قبل انصرافهم وقال سآمر صاحب الناقوس أن يخفق لكم الناقوس خفقة عند خروجي من الباب فتخرجون جميعا فامتثلوا ما أمرهم به وقاموا ينتظرون الإشارة واما صاحب الناقوس فاحتمله وصعد به على السور أي البرج وفعل ما أمره به البطليوس فخرج القوم كالسلاهب وخرج البطليوس في عشرين ألف فارس من الشجعان وهو يوصيهم وقال أسرعوا في مشيكم فإذا وصلتم إلى القوم فاحملوا عليهم ومكنوا السيوف والخناجر من رقابهم ومن صاح الأمان فلا تبقوا عليه الا أن يكون أمير القوم ومن أبصر منكم الصليب الذي أخذ منا فليأخذه ومن أتى به أكرمته ثم أمر صاحب الناقوس أن يضربه فضربه ضربة سمعها أهل الأبواب ففتح البوابون وتبادروا للخروج وخرج اللعين وسمع المسلمون الصوت فبادروا من أماكنهم مسرعين يخفر بعضهم بعضا وهم على يقظة وتبادروا كالأسود الضارية المشتاقة إلى فرائسها فلم تصل القوم إليهم الا وهم على حذر الا أنهم غير مرتبين فتجاول القوم في ظلام الليل وسمع الأمير خالد ذلك منهم فصاح وا غوثاه وا محمداه واسلاماه كيد قومي ورب الكعبة اللهم انظر إليهم بعينك التي لا تنام وانصرهم على عدوهم ولا تسلمهم إلى شر خلقك ثم سار خالد وهو مكشوف الرأس بلا خوذة وألهته الزعقة عن لبس السلاح وسار إلى قومه وهو ينشد ويقول * فاض دمعي واعتراني حزني * ضاق صدري وبراني شجني * رب سلم من نزول المحن * وانصر الاسلام يا ذا المنن *
(٢٩٤)