فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ١٣٧
وفتحت لهم أبواب النيران عندما أشركوا بالرحمن وصار على جيشهم من الكفر شبه الدخان وصار أمامهم الشيطان وعلا منهم الضجيج ووقعوا في أمر مريج فلما نظر المسلمون إلى كثرة من اجتمع من قومهم استسلموا لحكم القضا وقالوا نرضى بما قدر وقضى فنودوا من سرائرهم قد اشترينا منكم النفوس فاصبروا لحكم الملك القدوس ولا تولوا الأدبار فقد سبق الحكم وانبرى وخط القلم في اللوح وجرى وكتب بأمر الله ان الله اشترى قالوا ما الذي اشتراه من له المنة قال أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فقالوا نحن نريد التسليم لنصل إلى جنان النعيم فقيل لهم انهضوا إلى سوق المبيع فقد هبت بشائر الربيع وتجلى لقبض أرواحكم البصير السميع فسبحوه وسجدوا ورفعوا أصواتهم بتوحيده ومجدوا فلما أيقنوا بالوصال طلع لهم سهيل الحال وأزهرت شجرة الأحوال واستدار لهم رقيبة في فلك التيسير وناداهم اني بما تعملون خبير فلما سمعوا منادي الافكار يناديهم بالعشي والابكار بذلوا نفوسهم وأرضوا قدوسهم وجاهدوا واجتهدوا وحملوا واقتصدوا ونهلوا من نهر الشهادة ووردوا ولم يزالوا في حرب الأعادي وموارد الاجتهاد في مغاني ميادين الجهاد حتى خرجت الكمناء وهبت عواصف رياح الفناء فدمر ما كان شيده الكفار من البناء وانتشرت أستار ما أملوه من الأماني والمني فقتلت بينهم الصناديد وأصبحوا صرعى على وجه الصعيد وناداهم منادي التهديد ان عذابي لشديد وما هي من الظالمين ببعيد ولم يزالوا في قتال الكفار إلى أن مضى النهار واقبل الليل بالاستتار والمسلمون يقولون يا ليتنا دام لنا النهار ولا غلبتنا جيوش الاعتكار وإذ قد ظهر لهم على أطناب سرادق القتار ولا الليل سابق النهار قال فلما مضى الليل بغياهبه وأقبل الصباح بجانبه بادروا إلى الحرب والطعن والضرب ولم يمهل بعضهم بعضا دون أن وقعت الحملة على المسلمين فانهزم الجناح الأيمن وكان فيه أخلاط العرب قال وانهزمت ميسرة العدو ووقع فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل القتال فيهم إلى أن غلبهم الليل فانفصلوا فلما كان اليوم الثالث تولى الحرب خالد بن الوليد ورتب الناس ترتيبا جيدا وجعل في الميمنة باهلة وطبا وجعل في الميسرة عديا ونميرا وفزارة وفي الجناحين كندة وعاملة ومرة وفي القلب ابطال الأنصار من ذوي الشدة والانتصار وجعل راية الميمنة بيد عامر بن سراقة وراية الميسرة بيد ضرار بن الأزور وراية الجناح الأيمن بيد عبد الرحمن الأشتر وراية القلب بيد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فلما رتبهم قال لهم اتقو الله الذي اليه مصيركم واعلموا انه متكفل بتأييدكم ونصركم وإياكم ان تؤتي المسلمون من
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»