وسهل بن عدي فلقد قاتلوا قتالا شديدا وجاهدوا في الله حق جهاده وبذلوا رماحهم وسيوفهم في أعداء الله والتقى عبد الله بن مالك الأشتر بيورنيك الأرمني فلما عاين زيه علم أنه من ملوكهم فطعنه في صدره فأخرج السنان من ظهره والتقى النعمان بن المنذر بشهرياض وقد طحطح الجموع ولم يعلم النعمان بأنه صاحب البلد بل عرف أنه من الملوك فحمل عليه النعمان وهو يقول هذه الأبيات * وانا لقوم في الحروب ليوثها * وتنفر منا عند ذاك أسودها * نحامي عن الدين القويم نصونه * ونرغم آناف العدا ونذودها * لنا الفخر في كل المواطن دائما * بأحمدنا الهادي فذاك سعيدها * ملكنا بلاد الشام ثم ملوكها * إلى أن تبدي بالنكال عديدها * وسوف نقود الخيل جردا سوابقا * إلى شهرياض الكلب ذاك شديدها * ونملك دارا ثم جملين بعدها * كذا رأس عين والجيوش نقودها * ونمضي إلى حران ثم سروجهم * كذا الرها للمسلمين نعيدها * واني أنا النعمان ذاك ابن منذر * ابيد ليوث الحرب ثم أسودها * ثم أطبق عليه وفاجأه بطعنه فالقاه صريعا فلما نظر جيش قرقيسيا إلى هلاك ملكهم انحرفوا إلى مدينتهم وتحصنوا في بلدتهم وخافت أرمانوسة ودخل الرعب في قلبها ثم إنها قالت للعبد الصالح يوقنا يا عبد المسيح ما بقي لي أحد سواك يسوس ملكنا ويدبر حالنا فقال أيتها الملكة أنا لك وبين يديك ثم إنها خلعت عليه وعلى أصحابه وقالت اعلموا أن هذه المدينة والمملكة لكم فقال يوقنا يجب علينا أن نقوم بحقها ونقاتل بين يديها ثم إنه رتبهم على الأسوار فدنا المسلمون ورجالهم وهم يرمون بالمقايع فكانت حجارتهم لا تخطىء أبدا وكان المقدم على الرجال والموالي المنذر بن عاصم ولم يكن بالحجاز ولا باليمن قاطبة أرمى منه بالمقاليع وكان من قوة ساعده إذا خرج حجره يجاوز البرج الأعظم فلم يزل يرمي فيه كل يوم فيصيب الرجل والرجلين فسمته العرب برج المنذر وكانوا قد ضايقوا أهل قرقيسيا مضايقة شديدة فقالت ارمانوسة أين ما وعدت به الملك شهرياض من تدبيرك في هؤلاء العرب فقال أنا في هذا الأمر متفكر ثم إنه صعد على السور مما يلي المسلمين ونادى يا معاشر العرب قد طال الأمر بيننا وبينكم ولا نسلم لكم الا أن تهزموا الملك وتملكوا رأس العين ونحن لكم بعد ذلك واطلبوا منا من المال ما تريدون فقد علمنا أنكم إذا قلتم فعلتم ووفيتم قال فلما رآه عبد الله بن غسان وسهل بن عدي والصحابة ونظروا اليه علموا انه يريد أن ينصب حيلة على أهل قرقيسيا فقال سهل بن عدي يا عدو نفسه مكرت بنا وتممت منصوبك علينا بدخولك في ديننا حتى اطمأننا إليك ثم غدرت
(١١٤)