ذلك فاسرع زيد إلى مولاه عمير فانكب على يديه يقبلهما فمنعه من ذلك وذلك أن عميرا كان رجلا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ما يملك من الدنيا سوى سيفه ورمحه وفرسه وبعيره ومزادته وقصعته ومصحفه وكان الذي يصيبه من الغنائم لا يدخر منه ولا يأخذ الا ما يقوته وكان يفرق الباقي على قرابته وقومه فان فاض شيء يرسله إلى عمر رضي الله عنه يفرقه على فقراء المسلمين المهاجرين والأنصار قال فلما أراد زيد أن يقبل يد سيده منعه وقال له ما الذي تريد فقال يا مولاي تأذن لي أن أكون رسولا للمسلمين بشيرا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمير بن سعيد تريد أن تكون بشيرا للمسلمين وأمنعك من ذلك اني إذا لآثم امض فأنت حر لوجه الله تعالى وأرجو بعتقك أن يجيرني الله من النار قال ففرح زيد بذلك وعاد إلى أبي عبيدة فأخبره أن ببركة كتابه صار حرا فسر أبو عبيدة وسار زيد على نجيب من نجب اليمن دفعه اليه وكان سابقا قال فجعل زيد يطلب أقرب الطرق حتى قدم المدينة ودخلها وإذا بها ضجة عظيمة ولأهلها ضجيج وهم يهرعون نحو البقيع وقباء فقلت لنفسي ان لهم أمرا فتبعتهم لأرى ما شأنهم وأنا أحسب انهم يريدون حربا فرأيت رجلا فعرفته فسلمت عليه فعرفني وقال أنت زيد قلت نعم قال الله أكبر ما وراءك يا زيد قلت البشارة والغنيمة والفتح قلت ما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال أنه خارج يريد الحج ومعه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحج بهن والناس يشيعونه قال زيد بن وهب فأنخت بعيري وعقلته وأسرعت مهرولا حتى وقفت بين يدي عمر رضي الله عنه وهو يمشي راجلا ووراءه مولاه يقود بعيرا وقد رحله بعباءة قطوانية وزاده وجفنته عليه والهوادج بين يديه سائرة وعن يمينه علي بن أبي طالب وعن يساره العباس ابن عبد المطلب ومن ورائه المهاجرون والأنصار وهو يوصيهم بالمدينة قال زيد بن وهب فلما وقفت بين يديه ناديت السلام عليك يا أمير المؤمنين أنا زيد بن وهب مولى عمير بن سعيد اتيتك بشيرا قال عمر بشرك الله بخير فما بشارتك قلت هذا كتاب من عاملك أبي عبيدة يخبرك أن الله قد فتح على يديه أنطاكية قال فلما سمع عمر بذكر أنطاكية وان الله فتحها خر لله ساجدا يمرغ خديه على التراب ثم إنه رفع رأسه من سجوده وقد تترب وجهه وشيبته من التراب وهو يقول اللهم لك الحمد والشكر على نعمك السابغة ثم قال هات الكتاب رحمك الله فناولته إياه فلما قرأه بكى فقال له علي كرم الله وجهه مم بكاؤك قال مما صنع أبو عبيدة بالمسلمين وبما استعقب رايه في الموحدين ثم قال إن النفس لامارة بالسوء ودفع الكتاب إلى علي فقرأه على المسلمين إلى آخره قال زيد بن وهب ثم رأيت عمر قد هدا من بكائه وقد زاد فرحه وأقبل علي وقال يا زيد إذا عدت فأمعن النظر في اتيانها وأعنا بها واحمد الله كثيرا فقلت يا أمير المؤمنين ليس هذا أوانه قال ثم جلس عمر على الأرض ودعا بدواة وقرطاس
(٣١٠)